صفحة جزء
[ ص: 203 ] 62

ثم دخلت سنة اثنتين وستين

ذكر وفد أهل المدينة إلى الشام

لما ولي الوليد الحجاز أقام يريد غرة ابن الزبير ، فلا يجده إلا محترزا ممتنعا ، وثار نجدة بن عامر النخعي باليمامة حين قتل الحسين ، وثار ابن الزبير بالحجاز ، وكان الوليد يفيض من المعرف ويفيض معه سائر الناس ، وابن الزبير واقف وأصحابه ، ونجدة واقف في أصحابه ، ثم يفيض ابن الزبير بأصحابه ونجدة بأصحابه ، وكان نجدة يلقى ابن الزبير فيكثر ، حتى ظن أكثر الناس أنه سيبايعه ، ثم إن ابن الزبير عمل بالمكر في أمر الوليد ، فكتب إلى يزيد : إنك بعثت إلينا رجلا أخرق لا يتجه لرشد ولا يرعوي لعظة الحكيم ، فلو بعثت رجلا سهل الخلق رجوت أن يسهل من الأمور ما استوعر منها ، وأن يجتمع ما تفرق .

فعزل يزيد الوليد وولى عثمان بن محمد بن أبي سفيان ، وهو فتى غر حدث لم يجرب الأمور ولم يحنكه السن ، لا يكاد ينظر في شيء من سلطانه ولا عمله ، فبعث إلى يزيد وفدا من أهل المدينة فيهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة ، وعبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي ، والمنذر بن الزبير ، ورجالا كثيرا من أشراف أهل المدينة ، فقدموا على يزيد ، فأكرمهم وأحسن إليهم وأعظم جوائزهم ، فأعطى عبد الله بن حنظلة ، وكان شريفا فاضلا عابدا سيدا ، مائة ألف درهم ، وكان معه ثمانية بنين ، فأعطى كل ولد عشرة آلاف .

فلما رجعوا قدموا المدينة كلهم إلا المنذر بن الزبير ، فإنه قدم العراق على ابن زياد ، وكان يزيد قد أجازه بمائة ألف ، فلما قدم أولئك النفر الوفد المدينة قاموا فيهم فأظهروا شتم يزيد وعيبه وقالوا : قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ، [ ص: 204 ] ويضرب بالطنابير ويعزف عنده القيان ويلعب بالكلاب ويسمر عنده الحراب ، وهم اللصوص ، وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه .

وقام عبد الله بن حنظلة الغسيل فقال : جئتكم من عند رجل لو لم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته بهم ، وقد أعطاني وأكرمني وما قبلت منه عطاءه إلا لأتقوى به .

فخلعه الناس وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل على خلع يزيد وولوه عليهم .

وأما المنذر بن الزبير فإنه قدم على ابن زياد فأكرمه وأحسن إليه ، وكان صديق زياد ، فأتاه كتاب يزيد حيث بلغه أمر المدينة يأمره بحبس المنذر ، فكره ذلك لأنه ضيفه وصديق أبيه ، فدعاه وأخبره بالكتاب ، فقال له : إذا اجتمع الناس عندي فقم وقل ائذن لي لأنصرف إلى بلادي ، فإذا قلت بل أقم عندي فلك الكرامة والمواساة ، فقل إن لي ضيعة وشغلا ولا أجد بدا لي من الانصراف ، فإني آذن لك في الانصراف فتلحق بأهلك .

فلما اجتمع الناس على ابن زياد فعل المنذر ذلك فأذن له في الانصراف ، فقدم المدينة ، فكان ممن يحرض الناس على يزيد ، وقال : إنه قد أجازني بمائة ألف ولا يمنعني ما صنع بي أن أخبركم خبره ، والله إنه ليشرب الخمر ، والله إنه ليسكر حتى يدع الصلاة ! وعابه بمثل ما عابه به أصحابه وأشد .

فبعث يزيد النعمان بن بشير الأنصاري وقال له : إن عدد الناس بالمدينة قومك ، فإنهم ما يمنعهم شيء عما يريدون ، فإنهم إن لم ينهضوا في هذا الأمر لم يجترئ الناس على ( خلافي ) .

فأقبل النعمان فأتى قومه فأمرهم بلزوم الطاعة وخوفهم الفتنة ، قال لهم : إنكم لا طاقة لكم بأهل الشام .

فقال عبد الله بن مطيع العدوي : يا نعمان ما يحملك على فساد ما أصلح الله من أمرنا وتفريق جماعتنا ؟ فقال النعمان : والله لكأني بك لو نزل بك الجموع وقامت لك على الركب تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيف ودارت رحا الموت بين الفريقين قد ركبت بغلتك إلى مكة وخلفت هؤلاء المساكين ، [ ص: 205 ] يعني الأنصار ، يقتلون في سككهم ومساجدهم وعلى أبواب دورهم .

فعصاه الناس وانصرف ، وكان الأمر كما قال .

التالي السابق


الخدمات العلمية