صفحة جزء
ذكر رفع المسيح إلى السماء ونزوله إلى أمه وعوده إلى السماء

قيل : إن عيسى استقبله ناس من اليهود ، فلما رأوه قالوا : قد جاء الساحر ابن الساحرة الفاعل ابن الفاعلة ! وقذفوه وأمه ، فسمع ذلك ودعا عليهم ، فاستجاب الله دعاءه ومسخهم خنازير ، فلما رأى ذلك رأس بني إسرائيل فزع وخاف وجمع كلمة اليهود على قتله ، فاجتمعوا عليه ، فسألوه ، فقال : يا معشر اليهود ، إن الله يبغضكم ، فغضبوا من مقالته ، وثاروا إليه ليقتلوه ، فبعث إليه جبرائيل فأدخله في خوخة إلى بيت فيها روزنة في سقفها فرفعه إلى السماء من تلك الروزنة ، فأمر رأس اليهود رجلا من أصحابه اسمه " قطيبانوس " أن يدخل إليه فيقتله . فدخل فلم ير أحدا ، وألقى الله عليه شبح المسيح ، فخرج إليهم فظنوه عيسى ، فقتلوه ، وصلبوه .

وقيل : إن عيسى قال لأصحابه : أيكم يريد أن يلقى عليه شبهي وهو مقتول ؟ فقال رجل منهم : أنا يا روح الله . فألقي عليه شبهه ، فقتل وصلب .

وقيل : إن الذي شبه بعيسى وصلب رجل إسرائيلي اسمه يوشع أيضا .

وقيل : لما أعلم الله المسيح أنه خارج من الدنيا جزع من الموت فدعا الحواريين فصنع لهم طعاما فقال : احضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة . فلما اجتمعوا عشاهم ، وقام يخدمهم . فلما فرغوا أخذ يغسل أيديهم بيده ويمسحها بثيابه ، فتعاظموا ذلك وكرهوا . فقال : من يرد علي الليلة شيئا مما أصنع فليس مني ، فأقروه حتى فرغ من ذلك ، ثم قال : أما ما خدمتكم على الطعام وغسلت بيدي فليكن لكم بي أسوة فلا يتعاظم بعضكم على بعض ، وأما حاجتي التي أستغيثكم عليها فتدعون الله [ ص: 284 ] لي وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي . فلما نصبوا أنفسهم للدعاء أخذهم النوم حتى ما يستطيعون الدعاء ، فجعل يوقظهم ويقول : سبحان الله ما تصبرون لي ليلة ! قالوا : والله ما ندري ما لنا ، لقد كنا نسمر فنكثر السمر ، وما نقدر عليه الليلة ، وكلما أردنا الدعاء حيل بيننا وبينه . فقال : يذهب بالراعي ويتفرق الغنم ، وجعل ينعى نفسه ، ثم قال : ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات ، وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة وليأكلن ثمني .

فخرجوا وتفرقوا ، وكانت اليهود تطلبه ، فأخذوا شمعون ، أحد الحواريين ، وقالوا : هذا صاحبه .

واختلف العلماء في موته قبل رفعه إلى السماء ، فقيل : رفع ولم يمت ، وقيل : توفاه الله ثلاث ساعات وقيل سبع ساعات ، ثم أحياه ورفعه ، ولما رفع إلى السماء قال الله له : انزل ، فلما قالوا لشمعون عن المسيح جحد ، وقال : ما أنا بصاحبه ! فتركوه . فعلوا ذلك ثلاثا . فلما سمع صياح الديك بكى وأحزنه ذلك .

وأتى أحد الحواريين إلى اليهود فدلهم على المسيح ، وأعطوه ثلاثين درهما ، فأتى معهم إلى البيت الذي فيه المسيح ، فدخله ، فرفع الله المسيح ، وألقى شبهه على الذي دلهم عليه ، فأخذوه ، وأوثقوه ، وقادوه ، وهم يقولون له : أنت كنت تحيي الموتى ، وتفعل كذا وكذا فهلا تنجي نفسك ؟ وهو يقول : أنا الذي أدلكم عليه ، فلم يصغوا إلى قوله ، ووصلوا به إلى الخشبة وصلبوه عليها .

وقيل : إن اليهود لما دلهم عليه الحواري اتبعوه ، وأخذوه من البيت الذي كان فيه ليصلبوه ، فأظلمت الأرض ، وأرسل الله ملائكة فحالوا بينهم وبينه ، وألقى شبه المسيح على الذي دلهم عليه ، فأخذوه ليصلبوه ، فقال : أنا الذي دلكم عليه ، فلم يلتفتوا إليه فقتلوه وصلبوه عليها . ورفع الله المسيح إليه بعد أن توفاه ثلاث ساعات ، [ ص: 285 ] وقيل : سبع ساعات ، ثم أحياه ورفعه ، ثم قال له : انزل إلى مريم فإنه لم يبك عليك أحد بكاءها ولم يحزن أحد حزنها . فنزل عليها بعد سبعة أيام ، فاشتعل الجبل حين هبط نورا ، وهي عند المصلوب تبكي ومعها امرأة كان أبرأها من الجنون ، فقال : ما شأنكما تبكيان ؟ قالتا : عليك ! قال : إني رفعني الله إليه ولم يصبني إلا خير ، وإن هذا شيء شبه لهم ، وأمرها فجمعت له الحواريين ، فبثهم في الأرض رسلا عن الله وأمرهم أن يبلغوا عنه ما أمره الله به ، ثم رفعه الله إليه وأكساه الريش ، وألبسه النور ، وقطع عنه لذة المطعم ، والمشرب ، وطار مع الملائكة ، فهو معهم ، فصار إنسيا ملكيا سماويا أرضيا .

فتفرق الحواريون حيث أمرهم ، فتلك الليلة التي أهبطه الله فيها هي التي تدخن فيها النصارى .

وتعدى اليهود على بقية الحواريين يعذبونهم ويشتمونهم ، فسمع بذلك ملك الروم ، واسمه " هيرودس " ، وكانوا تحت يده ، وكان صاحب وثن ، فقيل له : إن رجلا كان في بني إسرائيل وكان يفعل الآيات من إحياء الموتى ، وخلق الطير من الطين والإخبار عن الغيوب فعدوا عليه فقتلوه ، وكان يخبرهم أنه رسول الله . فقال الملك : ويحكم ما منعكم أن تذكروا هذا من أمره ، فوالله لو علمت ما خليت بينهم وبينه ! ثم بعث إلى الحواريين فانتزعهم من أيدي اليهود ، وسألهم عن دين عيسى ، فأخبروه ، وتابعهم على دينهم ، واستنزل المصلوب الذي شبه لهم فغيبه ، وأخذ الخشبة التي صلب عليها فأكرمها ، وصانها وعدا على بني إسرائيل فقتل منهم قتلى كثيرة ، فمن هناك كان أصل النصرانية في الروم .

وقيل : كان هذا الملك هيرودس ينوب عن الملك الأعظم الملقب قيصر ، واسمه طيباريوس ، وكان هذا أيضا يسمى ملكا . وكان ملك طيباريوس ثلاثا وعشرين سنة ، منها إلى ارتفاع المسيح ثماني عشرة سنة وأيام .

التالي السابق


الخدمات العلمية