صفحة جزء
[ ص: 5 ] ذكر ابتداء الدولة العباسية وبيعة أبي العباس

في هذه السنة بويع أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالخلافة في شهر ربيع الأول ، وقيل : في ربيع الآخر لثلاث عشرة مضت منه ، وقيل : في جمادى الأولى .

وكان بدء ذلك وأوله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم العباس بن عبد المطلب أن الخلافة تؤول إلى ولده ، فلم يزل ولده يتوقعون ذلك ، ويتحدثون به بينهم .

ثم إن أبا هاشم ابنالحنفية خرج إلى الشام فلقي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقال له : [ يا ابن عم ، إن عندي علما أنبذه إليك ، فلا تطلعن عليه أحدا ] ، إن هذا الأمر الذي يرتجيه الناس فيكم . [ قال : قد علمت ] ، فلا يسمعنه منكم أحد .

وقد تقدم في خبر ابن الأشعث قول خالد بن يزيد بن معاوية لعبد الملك بن مروان : أما إذ كان الفتق من سجستان ، فليس عليك منه بأس ، إنما كنا نتخوف لو كان من خراسان .

وقال محمد بن علي بن عبد الله : لنا ثلاثة أوقات : موت الطاغية يزيد بن معاوية ، ورأس المائة ، وفتق إفريقية ، فعند ذلك يدعو لنا دعاة ، ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيلهم [ المغرب ] ويستخرجوا ما كنز الجبارون .

فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية ، ونقضت البربر ، بعث محمد بن علي إلى خراسان داعيا ، وأمره أن يدعو إلى الرضا ، ولا يسمي أحدا .

[ ص: 6 ] وقد ذكرنا فيما تقدم خبر الدعاة ، وخبر أبي مسلم ، وقبض مروان على إبراهيم بن محمد ، وكان مروان لما أرسل المقبوض عليه وصف للرسول صفة أبي العباس ، لأنه كان يجد في الكتب : إن من هذه صفته يقتلهم ويسلبهم ملكهم ! وقال له ليأتيه بإبراهيم بن محمد .

فقدم الرسول فأخذ أبا العباس بالصفة ، فلما ظهر إبراهيم وأمن ، قيل للرسول : إنما أمرت بإبراهيم وهذا عبد الله . فترك أبا العباس ، وأخذ إبراهيم فانطلق به إلى مروان ، فلما رآه قال : ليس هذه الصفة التي وصفت لك .

فقالوا : قد رأينا الصفة التي وصفت ، وإنما سميت إبراهيم فهذا إبراهيم .

فأمر به فحبس ، وأعاد الرسل في طلب أبي العباس فلم يروه .

وكان سبب مسيره من الحميمة أن إبراهيم لما أخذه الرسول نعى نفسه إلى أهل بيته ، وأمرهم بالمسير إلى الكوفة مع أخيه أبي العباس عبد الله بن محمد ، وبالسمع له وبالطاعة ، وأوصى إلى أبي العباس .

( وجعله الخليفة بعده ، فسار أبو العباس ) ومن معه من أهل بيته ، منهم : أخوه أبو جعفر المنصور ، وعبد الوهاب ومحمد ابنا أخيه إبراهيم ، وأعمامه داود ، وعيسى ، وصالح ، وإسماعيل ، وعبد الله ، وعبد الصمد بنو علي بن عبد الله بن عباس ، وابن عمه داود ، وابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي ، ويحيى بن جعفر بن تمام بن عباس ، حتى قدموا الكوفة في صفر ، وشيعتهم من أهل خراسان ، بظاهر الكوفة بحمام أعين ، فأنزلهم أبو سلمة الخلال دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم في بني أود ، وكتم أمرهم نحوا من أربعين ليلة من جميع القواد والشيعة .

وأراد فيما ذكر أن يحول الأمر إلى آل أبي طالب لما بلغه الخبر عن موت إبراهيم الإمام ، فقال له أبو الجهم : ما فعل الإمام ؟ قال : لم يقدم [ بعد ] . فألح عليه . فقال : ليس هذا وقت خروجه ، لأن واسطا لم تفتح بعد .

وكان أبو سلمة إذا سئل عن الإمام يقول : لا تعجلوا . فلم يزل ذلك من أمره حتى دخل أبو حميد محمد بن إبراهيم الحميري من حمام أعين يريد الكناسة ، فلقي خادما لإبراهيم الإمام يقال له سابق الخوارزمي ، فعرفه ، فقال له : ما فعل إبراهيم [ ص: 7 ] الإمام ؟ فأخبره أن مروان قتله ، وأن إبراهيم أوصى إلى أخيه أبي العباس واستخلفه من بعده ، وأنه قدم الكوفة ومعه عامة أهل بيته ، فسأله أبو حميد أن ينطلق به إليهم ، فقال له سابق : الموعد بيني وبينك غدا في هذا الموضع ، وكره سابق أن يدله عليهم إلا بإذنهم .

فرجع أبو حميد إلى أبي الجهم ، فأخبره وهو في عسكر أبي سلمة ، فأمره أن يلطف للقائهم ، فرجع أبو حميد من الغد إلى الموضع الذي واعد فيه سابقا فلقيه ، فانطلق به إلى أبي العباس وأهل بيته ، فلما دخل عليهم سأل أبو حميد من الخليفة منهم . فقال داود بن علي : هذا إمامكم وخليفتكم . وأشار إلى أبي العباس ، فسلم عليه بالخلافة وقبل يديه ورجليه ، وقال : مرنا بأمرك . وعزاه بإبراهيم الإمام .

ثم رجع وصحبه إبراهيم بن سلمة ، رجل كان يخدم بني العباس ، إلى أبي الجهم فأخبره عن منزلهم ، وأن الإمام أرسل إلى أبي سلمة يسأله مائة دينار يعطيها الجمال كراء الجمال التي حملتهم ، فلم يبعث بها إليهم ، فمشى أبو الجهم وأبو حميد ، وإبراهيم بن سلمة إلى موسى بن كعب ، وقصوا عليه القصة ، وبعثوا إلى الإمام بمائتي دينار مع إبراهيم بن سلمة .

واتفق رأي جماعة من القواد على أن يلقوا الإمام ، فمضى موسى بن كعب ، وأبو الجهم ، وعبد الحميد بن ربعي ، وسلمة بن محمد ، وإبراهيم بن سلمة ، وعبد الله الطائي ، وإسحاق بن إبراهيم ، وشراحيل ، وعبد الله بن بسام ، وأبو حميد محمد بن إبراهيم ، وسليمان بن الأسود ، ومحمد بن الحصين إلى الإمام أبي العباس .

وبلغ ذلك أبا سلمة فسأل عنهم ، فقيل : إنهم دخلوا الكوفة في حاجة لهم ، وأتى القوم أبا العباس ، فقال : وأيكم عبد الله بن محمد ابن الحارثية ؟ فقالوا : هذا ، فسلموا عليه بالخلافة وعزوه في إبراهيم ، ورجع موسى بن كعب ، وأبو الجهم ، وأمر أبو الجهم الباقين فتخلفوا عند الإمام .

فأرسل أبو سلمة إلى أبي الجهم : أين كنت ؟ قال : ركبت إلى إمامي ، فركب أبو سلمة إلى الإمام ، فأرسل أبو الجهم إلى أبي حميد : إن أبا سلمة قد أتاكم فلا يدخلن على الإمام إلا وحده .

فلما انتهى إليهم أبو سلمة منعوه أن يدخل معه أحد ، فدخل وحده فسلم بالخلافة على أبي العباس . فقال له أبو حميد : على رغم أنفك يا ماص بظر أمه ! فقال له أبو العباس : مه ! وأمر أبا سلمة بالعود إلى معسكره ، فعاد .

[ ص: 8 ] وأصبح الناس يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، فلبسوا السلاح ، واصطفوا لخروج أبي العباس ، وأتوا بالدواب ، فركب برذونا أبلق ، وركب من معه من أهل بيته فدخلوا دار الإمارة ، ثم خرج إلى المسجد فخطب وصلى بالناس .

ثم صعد المنبر حين بويع له بالخلافة فقام في أعلاه ، وصعد عمه داود بن علي فقام دونه ، فتكلم أبو العباس فقال : الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه ، وكرمه ، وشرفه ، وعظمه ، واختاره لنا ، فأيده بنا ، وجعلنا أهله ، وكهفه ، وحصنه ، والقوام به ، والذابين عنه ، والناصرين له ، فألزمنا كلمة التقوى ، وجعلنا أحق بها وأهلها ، وخصنا برحم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرابته ، وأنشأنا من آبائنا ، وأنبتنا من شجرته ، واشتقنا من نبعته ، جعله من أنفسنا عزيزا عليه ما عنتنا ، حريصا علينا ، بالمؤمنين رءوفا رحيما ، ووضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع .

وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتابا يتلى عليهم ، تبارك وتعالى فيما أنزل من محكم كتابه : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، وقال تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ، وقال : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ، وقال : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى ) ، وقال : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى ) .

فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا ، وأوجب عليهم حقنا ومودتنا ، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا تكرمة لنا وفضلا علينا ، والله ذو الفضل العظيم .

وزعمت السبئية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا ، فشاهت وجوههم ! ولم أيها الناس ؟ ! وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم ، وبصرهم [ ص: 9 ] بعد جهالتهم ، وأنقذهم بعد هلكتهم ، وأظهر بنا الحق ، ودحض الباطل ، وأصلح بنا منهم ما كان فاسدا ، ورفع بنا الخسيسة ، وتمم بنا النقيصة ، وجمع الفرقة حتى عاد الناس بعد العداوة أهل التعاطف والبر والمواساة في دنياهم ، وإخوانا على سرر متقابلين في آخرتهم .

فتح الله ذلك منة ومنحة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فلما قبضه الله إليه قام بالأمر من بعده أصحابه ، وأمرهم شورى بينهم ، فحووا مواريث الأمم ، فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها ، وأعطوها أهلها ، وخرجوا خماصا منها .

ثم وثب بنو حرب وبنو مروان فابتزوها وتداولوها ، فجاروا فيها ، واستأثروا بها ، وظلموا أهلها بما أملى الله لهم حينا حتى آسفوه ، فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا ، ورد علينا حقنا ، وتدارك بنا أمتنا ، وولي نصرنا والقيام بأمرنا ، ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض ، وختم بنا كما افتتح بنا .

وإني لأرجو أن لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير ، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح ، وما توفيقنا ( أهل البيت ) إلا بالله .

يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا ، أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك ، ولم يثنكم عنه تحامل أهل الجور عليكم حتى أدركتم زماننا ، وأتاكم الله بدولتنا ، فأنتم أسعد الناس بنا ، وأكرمهم علينا ، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم ، فاستعدوا فأنا السفاح المبيح ، والثائر المبير .

وكان موعوكا فاشتد عليه الوعك . فجلس على المنبر ، وقام عمه داود على مراقي المنبر ، فقال : الحمد لله ، شكرا للذي أهلك عدونا ، وأصار إلينا ميراثنا من نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 10 ] أيها الناس ! الآن أقشعت حنادس الدنيا ، وانكشف غطاؤها ، وأشرقت أرضها وسماؤها ، وطلعت الشمس من مطلعها ، وبزغ القمر من مبزغه ، وأخذ القوس باريها ، وعاد السهم إلى منزعه ، ورجع الحق إلى نصابه في أهل بيت نبيكم ، أهل الرأفة والرحمة بكم ، والعطف عليكم .

أيها الناس ! إنا والله ما خرجنا في طلب هذا الأمر لنكثر لجينا ، ولا عقيانا ، ولا نحفر نهرا ، ولا نبني قصرا ، وإنما أخرجتنا الأنفة من ابتزازهم حقنا ، والغضب لبني عمنا ، وما كرهنا من أموركم ، فلقد كانت أموركم ترمضنا ونحن على فرشنا ، ويشتد علينا سوء سيرة بني أمية فيكم ، واستنزالهم لكم ، واستئثارهم بفيئكم وصدقاتكم ومغانمكم عليكم .

لكم ذمة الله تبارك وتعالى ، وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وذمة العباس ، رحمه الله ، علينا أن نحكم فيكم بما أنزل الله ، ونعمل فيكم بكتاب الله ، ونسير في العامة والخاصة بسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

تبا تبا لبني حرب بن أمية وبني مروان ! آثروا في مدتهم العاجلة على الآجلة ، والدار الفانية على الدار الباقية ، فركبوا الآثام ، وظلموا الأنام ، وانتهكوا المحارم ، وغشوا بالجرائم ، وجاروا في سيرتهم في العباد ، وسنتهم في البلاد ، ومرحوا في أعنة المعاصي ، وركضوا في ميدان الغي جهلا باستدراج الله ، وأمنا لمكر الله ، فأتاهم بأس الله بياتا وهم نائمون ، فأصبحوا أحاديث ، ومزقوا كل ممزق ، فبعدا للقوم الظالمين ، وأدالنا الله من مروان ، وقد غره بالله الغرور ، وأرسل لعدو الله في عنانه حتى عثر في فضل خطامه ، أظن عدو الله أن لن نقدر عليه فنادى حزبه ، وجمع مكايده ورمى بكتائبه ، فوجد أمامه ووراءه وعن يمينه وشماله من مكر الله وبأسه ونقمته ما أمات باطله ، ومحا [ ص: 11 ] ضلاله . وجعل دائرة السوء به ، وأحيا شرفنا وعزنا ورد إلينا حقنا وإرثنا .

أيها الناس ! إن أمير المؤمنين ، نصره الله نصرا عزيزا ، إنما عاد إلى المنبر بعد الصلاة لأنه كاره أن يخلط بكلام الجمعة غيره ، وإنما قطعه عن استتمام الكلام شدة الوعك ، فادعوا الله لأمير المؤمنين بالعافية ، فقد بدلكم الله بمروان عدو الرحمن وخليفة الشيطان ، المتبع السفلة الذين أفسدوا في الأرض بعد إصلاحها بإبدال الدين وانتهاك حريم المسلمين ، الشاب المتكهل المتمهل المقتدي بسلفه الأبرار الأخيار الذين أصلحوا الأرض بعد فسادها بمعالم الهدى ومناهج التقوى .

فعج الناس له بالدعاء ، ثم قال : يا أهل الكوفة ! إنا والله ما زلنا مظلومين مقهورين على حقنا ، حتى أباح الله شيعتنا أهل خراسان ، فأحيا بهم حقنا ، وأبلج بهم حجتنا ، وأظهر بهم دولتنا ، وأراكم الله بهم ما لستم تنتظرون ، فأظهر فيكم الخليفة من هاشم ، وبيض به وجوهكم ، وأدالكم على أهل الشام ، ونقل إليكم السلطان ، وأعز الإسلام ، ومن عليكم بإمام منحه العدالة ، وأعطاه حسن الإيالة ، فخذوا ما آتاكم الله بشكر ، والزموا طاعتنا ، ولا تخدعوا عن أنفسكم ، فإن الأمر أمركم ، وإن لكل أهل بيت مصرا وإنكم مصرنا .

ألا وإنه ما صعد منبركم هذا خليفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد ، وأشار بيده إلى أبي العباس السفاح .

واعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه إلى عيسى ابن مريم - عليه السلام - والحمد لله على ما أبلانا وأولانا .

ثم نزل أبو العباس وداود بن علي أمامه حتى دخل القصر ، وأجلس أخاه أبا جعفر المنصور يأخذ البيعة على الناس في المسجد ، فلم يزل يأخذها عليهم حتى صلى بهم العصر ثم المغرب ، وجنهم الليل ، فدخل .

[ ص: 12 ] وقيل : إن داود بن علي لما تكلم قال في آخر كلامه : أيها الناس ، إنه والله ما كان بينكم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خليفة إلا علي بن أبي طالب ، وأمير المؤمنين الذي خلفي .

ثم نزلا ، وخرج أبو العباس يعسكر بحمام أعين في عسكر أبي سلمة ، ونزل معه في حجرته بينهما ستر ، وحاجب السفاح يومئذ عبد الله بن بسام .

واستخلف على الكوفة وأرضها عمه داود بن علي ، وبعث عمه عبد الله بن علي إلى أبي عون بن يزيد بشهرزور ، وبعث ابن أخيه عيسى بن موسى إلى الحسن بن قحطبة ، وهو يومئذ يحاصر ابن هبيرة بواسط ، وبعث يحيى بن جعفر بن تمام بن عباس إلى حميد بن قحطبة بالمدائن .

وبعث أبا اليقظان عثمان بن عروة بن محمد بن عمار بن ياسر إلى بسام بن إبراهيم بن بسام بالأهواز ، وبعث سلمة بن عمرو بن عثمان إلى مالك بن الطواف .

وأقام السفاح بالعسكر أشهرا ، ثم ارتحل فنزل المدينة الهاشمية بقصر الإمارة ، وكان تنكر لأبي سلمة قبل تحوله حتى عرف ذلك .

وقد قيل : إن داود بن علي وابنه موسى لم يكونا بالشام عند مسير بني العباس إلى العراق ، إنما كانا بالعراق أو بغيره فخرجا يريدان الشام ، فلقيهما أبو العباس ، وأهل بيته يريدون الكوفة بدومة الجندل ، فسألهم داود عن خبرهم ، فقص عليه أبو العباس قصتهم ، وأنهم يريدون الكوفة ليظهروا بها ويظهروا أمرهم .

فقال له داود : يا أبا العباس تأتي الكوفة وشيخ بني أمية مروان بن محمد بحران مطل على العراق في أهل الشام والجزيرة ، وشيخ العرب يزيد بن هبيرة بالعراق في جند العرب ! وقال : يا عمي من أحب الحياة ذل ، ثم تمثل بقول الأعشى :


فما ميتة إن متها غير عاجز بعار إذا ما غالت النفس غولها

.

فالتفت داود إلى ابنه موسى ، فقال : صدق والله ابن عمك ، فارجع بنا معه نعش أعزاء أو نمت كرماء . فرجعوا جميعا .

[ ص: 13 ] فكان عيسى بن موسى يقول إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون الكوفة : إن نفرا أربعة عشر رجلا خرجوا من دارهم وأهلهم يطلبون ما طلبنا لعظيمة همتهم ، كبيرة أنفسهم ، شديدة قلوبهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية