[ ص: 5 ] ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33973ابتداء الدولة العباسية وبيعة أبي العباس
في هذه السنة بويع
nindex.php?page=showalam&ids=14485أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالخلافة في شهر ربيع الأول ، وقيل : في ربيع الآخر لثلاث عشرة مضت منه ، وقيل : في جمادى الأولى .
وكان بدء ذلك وأوله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب أن الخلافة تؤول إلى ولده ، فلم يزل ولده يتوقعون ذلك ، ويتحدثون به بينهم .
ثم إن
أبا هاشم ابنالحنفية خرج إلى
الشام فلقي
محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقال له : [ يا ابن عم ، إن عندي علما أنبذه إليك ، فلا تطلعن عليه أحدا ] ، إن هذا الأمر الذي يرتجيه الناس فيكم . [ قال : قد علمت ] ، فلا يسمعنه منكم أحد .
وقد تقدم في خبر
nindex.php?page=showalam&ids=12582ابن الأشعث قول
nindex.php?page=showalam&ids=15815خالد بن يزيد بن معاوية nindex.php?page=showalam&ids=16491لعبد الملك بن مروان : أما إذ كان الفتق من
سجستان ، فليس عليك منه بأس ، إنما كنا نتخوف لو كان من
خراسان .
وقال
محمد بن علي بن عبد الله : لنا ثلاثة أوقات : موت الطاغية
nindex.php?page=showalam&ids=17374يزيد بن معاوية ، ورأس المائة ، وفتق إفريقية ، فعند ذلك يدعو لنا دعاة ، ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيلهم [ المغرب ] ويستخرجوا ما كنز الجبارون .
فلما قتل
nindex.php?page=showalam&ids=17352يزيد بن أبي مسلم بإفريقية ، ونقضت
البربر ، بعث
محمد بن علي إلى
خراسان داعيا ، وأمره أن يدعو إلى الرضا ، ولا يسمي أحدا .
[ ص: 6 ] وقد ذكرنا فيما تقدم خبر الدعاة ، وخبر
أبي مسلم ، وقبض
مروان على
إبراهيم بن محمد ، وكان
مروان لما أرسل المقبوض عليه وصف للرسول صفة
أبي العباس ، لأنه كان يجد في الكتب : إن من هذه صفته يقتلهم ويسلبهم ملكهم ! وقال له ليأتيه
بإبراهيم بن محمد .
فقدم الرسول فأخذ
أبا العباس بالصفة ، فلما ظهر
إبراهيم وأمن ، قيل للرسول : إنما أمرت
بإبراهيم وهذا
عبد الله . فترك
أبا العباس ، وأخذ
إبراهيم فانطلق به إلى
مروان ، فلما رآه قال : ليس هذه الصفة التي وصفت لك .
فقالوا : قد رأينا الصفة التي وصفت ، وإنما سميت
إبراهيم فهذا
إبراهيم .
فأمر به فحبس ، وأعاد الرسل في طلب
أبي العباس فلم يروه .
وكان سبب مسيره من الحميمة أن
إبراهيم لما أخذه الرسول نعى نفسه إلى أهل بيته ، وأمرهم بالمسير إلى
الكوفة مع أخيه
أبي العباس عبد الله بن محمد ، وبالسمع له وبالطاعة ، وأوصى إلى
أبي العباس .
( وجعله الخليفة بعده ، فسار
أبو العباس ) ومن معه من أهل بيته ، منهم : أخوه
nindex.php?page=showalam&ids=15337أبو جعفر المنصور ،
وعبد الوهاب ومحمد ابنا أخيه
إبراهيم ، وأعمامه
داود ،
وعيسى ،
وصالح ،
وإسماعيل ،
وعبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=16369وعبد الصمد بنو علي بن عبد الله بن عباس ، وابن عمه
داود ، وابن أخيه
nindex.php?page=showalam&ids=16752عيسى بن موسى بن محمد بن علي ،
ويحيى بن جعفر بن تمام بن عباس ، حتى قدموا
الكوفة في صفر ، وشيعتهم من أهل
خراسان ، بظاهر
الكوفة بحمام أعين ، فأنزلهم
nindex.php?page=showalam&ids=14238أبو سلمة الخلال دار
الوليد بن سعد مولى بني هاشم في بني أود ، وكتم أمرهم نحوا من أربعين ليلة من جميع القواد
والشيعة .
وأراد فيما ذكر أن يحول الأمر إلى
آل أبي طالب لما بلغه الخبر عن موت
إبراهيم الإمام ، فقال له
أبو الجهم : ما فعل الإمام ؟ قال : لم يقدم [ بعد ] . فألح عليه . فقال : ليس هذا وقت خروجه ، لأن
واسطا لم تفتح بعد .
وكان
أبو سلمة إذا سئل عن الإمام يقول : لا تعجلوا . فلم يزل ذلك من أمره حتى دخل
أبو حميد محمد بن إبراهيم الحميري من
حمام أعين يريد
الكناسة ، فلقي خادما
لإبراهيم الإمام يقال له
سابق الخوارزمي ، فعرفه ، فقال له : ما فعل
إبراهيم [ ص: 7 ] الإمام ؟ فأخبره أن
مروان قتله ، وأن
إبراهيم أوصى إلى أخيه
أبي العباس واستخلفه من بعده ، وأنه قدم
الكوفة ومعه عامة أهل بيته ، فسأله
أبو حميد أن ينطلق به إليهم ، فقال له
سابق : الموعد بيني وبينك غدا في هذا الموضع ، وكره
سابق أن يدله عليهم إلا بإذنهم .
فرجع
أبو حميد إلى
أبي الجهم ، فأخبره وهو في عسكر
أبي سلمة ، فأمره أن يلطف للقائهم ، فرجع
أبو حميد من الغد إلى الموضع الذي واعد فيه
سابقا فلقيه ، فانطلق به إلى
أبي العباس وأهل بيته ، فلما دخل عليهم سأل
أبو حميد من الخليفة منهم . فقال
داود بن علي : هذا إمامكم وخليفتكم . وأشار إلى
أبي العباس ، فسلم عليه بالخلافة وقبل يديه ورجليه ، وقال : مرنا بأمرك . وعزاه
بإبراهيم الإمام .
ثم رجع وصحبه
إبراهيم بن سلمة ، رجل كان يخدم
بني العباس ، إلى
أبي الجهم فأخبره عن منزلهم ، وأن الإمام أرسل إلى
أبي سلمة يسأله مائة دينار يعطيها الجمال كراء الجمال التي حملتهم ، فلم يبعث بها إليهم ، فمشى
أبو الجهم وأبو حميد ،
وإبراهيم بن سلمة إلى
موسى بن كعب ، وقصوا عليه القصة ، وبعثوا إلى الإمام بمائتي دينار مع
إبراهيم بن سلمة .
واتفق رأي جماعة من القواد على أن يلقوا الإمام ، فمضى
موسى بن كعب ،
وأبو الجهم ،
وعبد الحميد بن ربعي ،
وسلمة بن محمد ،
وإبراهيم بن سلمة ،
وعبد الله الطائي ،
وإسحاق بن إبراهيم ،
وشراحيل ،
وعبد الله بن بسام ،
وأبو حميد محمد بن إبراهيم ،
وسليمان بن الأسود ،
ومحمد بن الحصين إلى
الإمام أبي العباس .
وبلغ ذلك
أبا سلمة فسأل عنهم ، فقيل : إنهم دخلوا
الكوفة في حاجة لهم ، وأتى القوم
أبا العباس ، فقال : وأيكم
عبد الله بن محمد ابن الحارثية ؟ فقالوا : هذا ، فسلموا عليه بالخلافة وعزوه في
إبراهيم ، ورجع
موسى بن كعب ،
وأبو الجهم ، وأمر
أبو الجهم الباقين فتخلفوا عند الإمام .
فأرسل
أبو سلمة إلى
أبي الجهم : أين كنت ؟ قال : ركبت إلى إمامي ، فركب
أبو سلمة إلى الإمام ، فأرسل
أبو الجهم إلى
أبي حميد : إن
أبا سلمة قد أتاكم فلا يدخلن على الإمام إلا وحده .
فلما انتهى إليهم
أبو سلمة منعوه أن يدخل معه أحد ، فدخل وحده فسلم بالخلافة على
أبي العباس . فقال له
أبو حميد : على رغم أنفك يا ماص بظر أمه ! فقال له
أبو العباس : مه ! وأمر
أبا سلمة بالعود إلى معسكره ، فعاد .
[ ص: 8 ] وأصبح الناس يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، فلبسوا السلاح ، واصطفوا لخروج
أبي العباس ، وأتوا بالدواب ، فركب برذونا أبلق ، وركب من معه من أهل بيته فدخلوا دار الإمارة ، ثم خرج إلى المسجد فخطب وصلى بالناس .
ثم صعد المنبر حين بويع له بالخلافة فقام في أعلاه ، وصعد عمه
داود بن علي فقام دونه ، فتكلم
أبو العباس فقال : الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه ، وكرمه ، وشرفه ، وعظمه ، واختاره لنا ، فأيده بنا ، وجعلنا أهله ، وكهفه ، وحصنه ، والقوام به ، والذابين عنه ، والناصرين له ، فألزمنا كلمة التقوى ، وجعلنا أحق بها وأهلها ، وخصنا برحم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرابته ، وأنشأنا من آبائنا ، وأنبتنا من شجرته ، واشتقنا من نبعته ، جعله من أنفسنا عزيزا عليه ما عنتنا ، حريصا علينا ، بالمؤمنين رءوفا رحيما ، ووضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع .
وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتابا يتلى عليهم ، تبارك وتعالى فيما أنزل من محكم كتابه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=33إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وأنذر عشيرتك الأقربين ) ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى ) ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى ) .
فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا ، وأوجب عليهم حقنا ومودتنا ، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا تكرمة لنا وفضلا علينا ، والله ذو الفضل العظيم .
وزعمت السبئية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا ، فشاهت وجوههم ! ولم أيها الناس ؟ ! وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم ، وبصرهم
[ ص: 9 ] بعد جهالتهم ، وأنقذهم بعد هلكتهم ، وأظهر بنا الحق ، ودحض الباطل ، وأصلح بنا منهم ما كان فاسدا ، ورفع بنا الخسيسة ، وتمم بنا النقيصة ، وجمع الفرقة حتى عاد الناس بعد العداوة أهل التعاطف والبر والمواساة في دنياهم ، وإخوانا على سرر متقابلين في آخرتهم .
فتح الله ذلك منة ومنحة
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فلما قبضه الله إليه قام بالأمر من بعده أصحابه ، وأمرهم شورى بينهم ، فحووا مواريث الأمم ، فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها ، وأعطوها أهلها ، وخرجوا خماصا منها .
ثم وثب
بنو حرب وبنو مروان فابتزوها وتداولوها ، فجاروا فيها ، واستأثروا بها ، وظلموا أهلها بما أملى الله لهم حينا حتى آسفوه ، فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا ، ورد علينا حقنا ، وتدارك بنا أمتنا ، وولي نصرنا والقيام بأمرنا ، ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض ، وختم بنا كما افتتح بنا .
وإني لأرجو أن لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير ، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح ، وما توفيقنا ( أهل البيت ) إلا بالله .
يا أهل
الكوفة أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا ، أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك ، ولم يثنكم عنه تحامل أهل الجور عليكم حتى أدركتم زماننا ، وأتاكم الله بدولتنا ، فأنتم أسعد الناس بنا ، وأكرمهم علينا ، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم ، فاستعدوا فأنا السفاح المبيح ، والثائر المبير .
وكان موعوكا فاشتد عليه الوعك . فجلس على المنبر ، وقام عمه
داود على مراقي المنبر ، فقال : الحمد لله ، شكرا للذي أهلك عدونا ، وأصار إلينا ميراثنا من نبينا
محمد - صلى الله عليه وسلم - .
[ ص: 10 ] أيها الناس ! الآن أقشعت حنادس الدنيا ، وانكشف غطاؤها ، وأشرقت أرضها وسماؤها ، وطلعت الشمس من مطلعها ، وبزغ القمر من مبزغه ، وأخذ القوس باريها ، وعاد السهم إلى منزعه ، ورجع الحق إلى نصابه في أهل بيت نبيكم ، أهل الرأفة والرحمة بكم ، والعطف عليكم .
أيها الناس ! إنا والله ما خرجنا في طلب هذا الأمر لنكثر لجينا ، ولا عقيانا ، ولا نحفر نهرا ، ولا نبني قصرا ، وإنما أخرجتنا الأنفة من ابتزازهم حقنا ، والغضب لبني عمنا ، وما كرهنا من أموركم ، فلقد كانت أموركم ترمضنا ونحن على فرشنا ، ويشتد علينا سوء سيرة
بني أمية فيكم ، واستنزالهم لكم ، واستئثارهم بفيئكم وصدقاتكم ومغانمكم عليكم .
لكم ذمة الله تبارك وتعالى ، وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وذمة
العباس ، رحمه الله ، علينا أن نحكم فيكم بما أنزل الله ، ونعمل فيكم بكتاب الله ، ونسير في العامة والخاصة بسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
تبا تبا
لبني حرب بن أمية وبني مروان ! آثروا في مدتهم العاجلة على الآجلة ، والدار الفانية على الدار الباقية ، فركبوا الآثام ، وظلموا الأنام ، وانتهكوا المحارم ، وغشوا بالجرائم ، وجاروا في سيرتهم في العباد ، وسنتهم في البلاد ، ومرحوا في أعنة المعاصي ، وركضوا في ميدان الغي جهلا باستدراج الله ، وأمنا لمكر الله ، فأتاهم بأس الله بياتا وهم نائمون ، فأصبحوا أحاديث ، ومزقوا كل ممزق ، فبعدا للقوم الظالمين ، وأدالنا الله من
مروان ، وقد غره بالله الغرور ، وأرسل لعدو الله في عنانه حتى عثر في فضل خطامه ، أظن عدو الله أن لن نقدر عليه فنادى حزبه ، وجمع مكايده ورمى بكتائبه ، فوجد أمامه ووراءه وعن يمينه وشماله من مكر الله وبأسه ونقمته ما أمات باطله ، ومحا
[ ص: 11 ] ضلاله . وجعل دائرة السوء به ، وأحيا شرفنا وعزنا ورد إلينا حقنا وإرثنا .
أيها الناس ! إن أمير المؤمنين ، نصره الله
نصرا عزيزا ، إنما عاد إلى المنبر بعد الصلاة لأنه كاره أن يخلط بكلام الجمعة غيره ، وإنما قطعه عن استتمام الكلام شدة الوعك ، فادعوا الله لأمير المؤمنين بالعافية ، فقد بدلكم الله
بمروان عدو الرحمن وخليفة الشيطان ، المتبع السفلة الذين أفسدوا في الأرض بعد إصلاحها بإبدال الدين وانتهاك حريم المسلمين ، الشاب المتكهل المتمهل المقتدي بسلفه الأبرار الأخيار الذين أصلحوا الأرض بعد فسادها بمعالم الهدى ومناهج التقوى .
فعج الناس له بالدعاء ، ثم قال : يا أهل
الكوفة ! إنا والله ما زلنا مظلومين مقهورين على حقنا ، حتى أباح الله شيعتنا أهل
خراسان ، فأحيا بهم حقنا ، وأبلج بهم حجتنا ، وأظهر بهم دولتنا ، وأراكم الله بهم ما لستم تنتظرون ، فأظهر فيكم الخليفة من
هاشم ، وبيض به وجوهكم ، وأدالكم على أهل
الشام ، ونقل إليكم السلطان ، وأعز الإسلام ، ومن عليكم بإمام منحه العدالة ، وأعطاه حسن الإيالة ، فخذوا ما آتاكم الله بشكر ، والزموا طاعتنا ، ولا تخدعوا عن أنفسكم ، فإن الأمر أمركم ، وإن لكل أهل بيت مصرا وإنكم مصرنا .
ألا وإنه ما صعد منبركم هذا خليفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين
عبد الله بن محمد ، وأشار بيده إلى
nindex.php?page=showalam&ids=14485أبي العباس السفاح .
واعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه إلى
عيسى ابن مريم - عليه السلام - والحمد لله على ما أبلانا وأولانا .
ثم نزل
أبو العباس وداود بن علي أمامه حتى دخل القصر ، وأجلس أخاه
nindex.php?page=showalam&ids=15337أبا جعفر المنصور يأخذ البيعة على الناس في المسجد ، فلم يزل يأخذها عليهم حتى صلى بهم العصر ثم المغرب ، وجنهم الليل ، فدخل .
[ ص: 12 ] وقيل : إن
داود بن علي لما تكلم قال في آخر كلامه : أيها الناس ، إنه والله ما كان بينكم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خليفة إلا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، وأمير المؤمنين الذي خلفي .
ثم نزلا ، وخرج
أبو العباس يعسكر
بحمام أعين في عسكر
أبي سلمة ، ونزل معه في حجرته بينهما ستر ، وحاجب
nindex.php?page=showalam&ids=14485السفاح يومئذ
عبد الله بن بسام .
واستخلف على
الكوفة وأرضها عمه
داود بن علي ، وبعث عمه
nindex.php?page=showalam&ids=16451عبد الله بن علي إلى
أبي عون بن يزيد بشهرزور ، وبعث ابن أخيه
nindex.php?page=showalam&ids=16752عيسى بن موسى إلى
الحسن بن قحطبة ، وهو يومئذ يحاصر
ابن هبيرة بواسط ، وبعث
يحيى بن جعفر بن تمام بن عباس إلى
حميد بن قحطبة بالمدائن .
وبعث
أبا اليقظان عثمان بن عروة بن محمد بن عمار بن ياسر إلى
بسام بن إبراهيم بن بسام بالأهواز ، وبعث
سلمة بن عمرو بن عثمان إلى
مالك بن الطواف .
وأقام
nindex.php?page=showalam&ids=14485السفاح بالعسكر أشهرا ، ثم ارتحل فنزل
المدينة الهاشمية بقصر الإمارة ، وكان تنكر
لأبي سلمة قبل تحوله حتى عرف ذلك .
وقد قيل : إن
داود بن علي وابنه
موسى لم يكونا
بالشام عند مسير
بني العباس إلى
العراق ، إنما كانا
بالعراق أو بغيره فخرجا يريدان
الشام ، فلقيهما
أبو العباس ، وأهل بيته يريدون
الكوفة بدومة الجندل ، فسألهم
داود عن خبرهم ، فقص عليه
أبو العباس قصتهم ، وأنهم يريدون
الكوفة ليظهروا بها ويظهروا أمرهم .
فقال له
داود : يا
أبا العباس تأتي
الكوفة وشيخ
بني أمية مروان بن محمد بحران مطل على
العراق في أهل
الشام والجزيرة ، وشيخ العرب
nindex.php?page=showalam&ids=13614يزيد بن هبيرة بالعراق في جند العرب ! وقال : يا عمي من أحب الحياة ذل ، ثم تمثل بقول الأعشى :
فما ميتة إن متها غير عاجز بعار إذا ما غالت النفس غولها
.
فالتفت
داود إلى ابنه
موسى ، فقال : صدق والله ابن عمك ، فارجع بنا معه نعش أعزاء أو نمت كرماء . فرجعوا جميعا .
[ ص: 13 ] فكان
nindex.php?page=showalam&ids=16752عيسى بن موسى يقول إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون
الكوفة : إن نفرا أربعة عشر رجلا خرجوا من دارهم وأهلهم يطلبون ما طلبنا لعظيمة همتهم ، كبيرة أنفسهم ، شديدة قلوبهم .
[ ص: 5 ] ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33973ابْتِدَاءِ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ وَبَيْعَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ بُويِعَ
nindex.php?page=showalam&ids=14485أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ بِالْخِلَافَةِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، وَقِيلَ : فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْهُ ، وَقِيلَ : فِي جُمَادَى الْأُولَى .
وَكَانَ بَدْءُ ذَلِكَ وَأَوَّلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّ الْخِلَافَةَ تَؤُولُ إِلَى وَلَدِهِ ، فَلَمْ يَزَلْ وَلَدُهُ يَتَوَقَّعُونَ ذَلِكَ ، وَيَتَحَدَّثُونَ بِهِ بَيْنَهُمْ .
ثُمَّ إِنَّ
أَبَا هَاشِمِ ابْنَالْحَنَفِيَّةِ خَرَجَ إِلَى
الشَّامِ فَلَقِيَ
مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ : [ يَا ابْنَ عَمِّ ، إِنَّ عِنْدِي عِلْمًا أَنْبِذُهُ إِلَيْكَ ، فَلَا تُطْلِعَنَّ عَلَيْهِ أَحَدًا ] ، إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي يَرْتَجِيهِ النَّاسُ فِيكُمْ . [ قَالَ : قَدْ عَلِمْتُ ] ، فَلَا يَسْمَعَنَّهُ مِنْكُمْ أَحَدٌ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ
nindex.php?page=showalam&ids=12582ابْنِ الْأَشْعَثِ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15815خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16491لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ : أَمَّا إِذْ كَانَ الْفَتْقُ مِنْ
سِجِسْتَانَ ، فَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهُ بَأْسٌ ، إِنَّمَا كُنَّا نَتَخَوَّفُ لَوْ كَانَ مِنْ
خُرَاسَانَ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : لَنَا ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ : مَوْتُ الطَّاغِيَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=17374يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، وَرَأْسُ الْمِائَةِ ، وَفَتْقُ إِفْرِيقِيَّةَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَدْعُو لَنَا دُعَاةٌ ، ثُمَّ تُقْبِلُ أَنْصَارُنَا مِنَ الْمَشْرِقِ حَتَّى تَرِدَ خَيْلُهُمُ [ الْمَغْرِبَ ] وَيَسْتَخْرِجُوا مَا كَنَزَ الْجَبَّارُونَ .
فَلَمَّا قُتِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=17352يَزِيدُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ بِإِفْرِيقِيَّةَ ، وَنَقَضَتِ
الْبَرْبَرُ ، بَعَثَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى
خُرَاسَانَ دَاعِيًا ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى الرِّضَا ، وَلَا يُسَمِّيَ أَحَدًا .
[ ص: 6 ] وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ خَبَرَ الدُّعَاةِ ، وَخَبَرَ
أَبِي مُسْلِمٍ ، وَقَبْضَ
مَرْوَانَ عَلَى
إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَكَانَ
مَرْوَانُ لَمَّا أَرْسَلَ الْمَقْبُوضَ عَلَيْهِ وَصَفَ لِلرَّسُولِ صِفَةَ
أَبِي الْعَبَّاسِ ، لِأَنَّهُ كَانَ يَجِدُ فِي الْكُتُبِ : إِنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ يَقْتُلُهُمْ وَيَسْلُبُهُمْ مُلْكَهُمْ ! وَقَالَ لَهُ لِيَأْتِيَهُ
بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ .
فَقَدِمَ الرَّسُولُ فَأَخَذَ
أَبَا الْعَبَّاسِ بِالصِّفَةِ ، فَلَمَّا ظَهَرَ
إِبْرَاهِيمُ وَأَمِنَ ، قِيلَ لِلرَّسُولِ : إِنَّمَا أُمِرْتَ
بِإِبْرَاهِيمَ وَهَذَا
عَبْدُ اللَّهِ . فَتَرَكَ
أَبَا الْعَبَّاسِ ، وَأَخَذَ
إِبْرَاهِيمَ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى
مَرْوَانَ ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : لَيْسَ هَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي وَصَفْتُ لَكَ .
فَقَالُوا : قَدْ رَأَيْنَا الصِّفَةَ الَّتِي وَصَفْتَ ، وَإِنَّمَا سَمَّيْتَ
إِبْرَاهِيمَ فَهَذَا
إِبْرَاهِيمُ .
فَأَمَرَ بِهِ فَحُبِسَ ، وَأَعَادَ الرُّسُلَ فِي طَلَبِ
أَبِي الْعَبَّاسِ فَلَمْ يَرَوْهُ .
وَكَانَ سَبَبُ مَسِيرِهِ مِنَ الْحُمَيْمَةِ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أَخَذَهُ الرَّسُولُ نَعَى نَفْسَهُ إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَأَمَرَهُمْ بِالْمَسِيرِ إِلَى
الْكُوفَةِ مَعَ أَخِيهِ
أَبِي الْعَبَّاسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَبِالسَّمْعِ لَهُ وَبِالطَّاعَةِ ، وَأَوْصَى إِلَى
أَبِي الْعَبَّاسِ .
( وَجَعَلَهُ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ ، فَسَارَ
أَبُو الْعَبَّاسِ ) وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، مِنْهُمْ : أَخُوهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15337أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ ،
وَعَبْدُ الْوَهَّابِ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا أَخِيهِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَأَعْمَامُهُ
دَاوُدُ ،
وَعِيسَى ،
وَصَالِحٌ ،
وَإِسْمَاعِيلُ ،
وَعَبْدُ اللَّهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16369وَعَبْدُ الصَّمَدِ بَنُو عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ عَمِّهِ
دَاوُدُ ، وَابْنُ أَخِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16752عِيسَى بْنُ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ،
وَيَحْيَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ تَمَّامِ بْنِ عَبَّاسٍ ، حَتَّى قَدِمُوا
الْكُوفَةَ فِي صَفَرٍ ، وَشِيعَتُهُمْ مِنْ أَهْلِ
خُرَاسَانَ ، بِظَاهِرِ
الْكُوفَةِ بِحَمَّامِ أَعْيَنَ ، فَأَنْزَلَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=14238أَبُو سَلَمَةَ الْخَلَّالُ دَارَ
الْوَلِيدِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ فِي بَنِي أَوْدٍ ، وَكَتَمَ أَمْرَهُمْ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً مِنْ جَمِيعِ الْقُوَّادِ
وَالشِّيعَةِ .
وَأَرَادَ فِيمَا ذُكِرَ أَنْ يُحَوِّلَ الْأَمْرَ إِلَى
آلِ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ عَنْ مَوْتِ
إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ ، فَقَالَ لَهُ
أَبُو الْجَهْمِ : مَا فَعَلَ الْإِمَامُ ؟ قَالَ : لَمْ يَقْدَمُ [ بَعْدُ ] . فَأَلَحَّ عَلَيْهِ . فَقَالَ : لَيْسَ هَذَا وَقْتَ خُرُوجِهِ ، لِأَنَّ
وَاسِطًا لَمْ تُفْتَحْ بَعْدُ .
وَكَانَ
أَبُو سَلَمَةَ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْإِمَامِ يَقُولُ : لَا تَعْجَلُوا . فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ حَتَّى دَخَلَ
أَبُو حُمَيْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحِمْيَرِيُّ مِنْ
حَمَّامِ أَعْيَنَ يُرِيدُ
الْكُنَاسَةَ ، فَلَقِيَ خَادِمًا
لِإِبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ يُقَالُ لَهُ
سَابِقٌ الْخَوَارِزْمِيُّ ، فَعَرَفَهُ ، فَقَالَ لَهُ : مَا فَعَلَ
إِبْرَاهِيمُ [ ص: 7 ] الْإِمَامُ ؟ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ
مَرْوَانَ قَتَلَهُ ، وَأَنَّ
إِبْرَاهِيمَ أَوْصَى إِلَى أَخِيهِ
أَبِي الْعَبَّاسِ وَاسْتَخْلَفَهُ مِنْ بَعْدِهِ ، وَأَنَّهُ قَدِمَ
الْكُوفَةَ وَمَعَهُ عَامَّةُ أَهْلِ بَيْتِهِ ، فَسَأَلَهُ
أَبُو حُمَيْدٍ أَنْ يَنْطَلِقَ بِهِ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ لَهُ
سَابِقٌ : الْمَوْعِدُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ غَدًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَكَرِهَ
سَابِقٌ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِإِذْنِهِمْ .
فَرَجَعَ
أَبُو حُمَيْدٍ إِلَى
أَبِي الْجَهْمِ ، فَأَخْبَرَهُ وَهُوَ فِي عَسْكَرِ
أَبِي سَلَمَةَ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَلْطُفَ لِلِقَائِهِمْ ، فَرَجَعَ
أَبُو حُمَيْدٍ مِنَ الْغَدِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَاعَدَ فِيهِ
سَابِقًا فَلَقِيَهُ ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى
أَبِي الْعَبَّاسِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِمْ سَأَلَ
أَبُو حُمَيْدٍ مَنِ الْخَلِيفَةُ مِنْهُمْ . فَقَالَ
دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ : هَذَا إِمَامُكُمْ وَخَلِيفَتُكُمْ . وَأَشَارَ إِلَى
أَبِي الْعَبَّاسِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ وَقَبَّلَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، وَقَالَ : مُرْنَا بِأَمْرِكَ . وَعَزَّاهُ
بِإِبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ .
ثُمَّ رَجَعَ وَصَحِبَهُ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَلَمَةَ ، رَجُلٌ كَانَ يَخْدِمُ
بَنِي الْعَبَّاسِ ، إِلَى
أَبِي الْجَهْمِ فَأَخْبَرَهُ عَنْ مَنْزِلِهِمْ ، وَأَنَّ الْإِمَامَ أَرْسَلَ إِلَى
أَبِي سَلَمَةَ يَسْأَلُهُ مِائَةَ دِينَارٍ يُعْطِيهَا الْجَمَّالَ كِرَاءَ الْجِمَالِ الَّتِي حَمَلَتْهُمْ ، فَلَمْ يَبْعَثْ بِهَا إِلَيْهِمْ ، فَمَشَى
أَبُو الْجَهْمِ وَأَبُو حُمَيْدٍ ،
وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَلَمَةَ إِلَى
مُوسَى بْنِ كَعْبٍ ، وَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ ، وَبَعَثُوا إِلَى الْإِمَامِ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ مَعَ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَمَةَ .
وَاتَّفَقَ رَأْيُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْقُوَّادِ عَلَى أَنْ يَلْقَوُا الْإِمَامَ ، فَمَضَى
مُوسَى بْنُ كَعْبٍ ،
وَأَبُو الْجَهْمِ ،
وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ رِبْعِيٍّ ،
وَسَلَمَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ ،
وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَلَمَةَ ،
وَعَبْدُ اللَّهِ الطَّائِيُّ ،
وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ،
وَشَرَاحِيلُ ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَسَّامٍ ،
وَأَبُو حُمَيْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ،
وَسُلَيْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُصَيْنِ إِلَى
الْإِمَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ .
وَبَلَغَ ذَلِكَ
أَبَا سَلَمَةَ فَسَأَلَ عَنْهُمْ ، فَقِيلَ : إِنَّهُمْ دَخَلُوا
الْكُوفَةَ فِي حَاجَةٍ لَهُمْ ، وَأَتَى الْقَوْمُ
أَبَا الْعَبَّاسِ ، فَقَالَ : وَأَيُّكُمْ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَارِثِيَّةِ ؟ فَقَالُوا : هَذَا ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ وَعَزَّوْهُ فِي
إِبْرَاهِيمَ ، وَرَجَعَ
مُوسَى بْنُ كَعْبٍ ،
وَأَبُو الْجَهْمِ ، وَأَمَرَ
أَبُو الْجَهْمِ الْبَاقِينَ فَتَخَلَّفُوا عِنْدَ الْإِمَامِ .
فَأَرْسَلَ
أَبُو سَلَمَةَ إِلَى
أَبِي الْجَهْمِ : أَيْنَ كُنْتَ ؟ قَالَ : رَكِبْتُ إِلَى إِمَامِي ، فَرَكِبَ
أَبُو سَلَمَةَ إِلَى الْإِمَامِ ، فَأَرْسَلَ
أَبُو الْجَهْمِ إِلَى
أَبِي حُمَيْدٍ : إِنَّ
أَبَا سَلَمَةَ قَدْ أَتَاكُمْ فَلَا يَدْخُلَنَّ عَلَى الْإِمَامِ إِلَّا وَحْدَهُ .
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ
أَبُو سَلَمَةَ مَنَعُوهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ أَحَدٌ ، فَدَخَلَ وَحْدَهُ فَسَلَّمَ بِالْخِلَافَةِ عَلَى
أَبِي الْعَبَّاسِ . فَقَالَ لَهُ
أَبُو حُمَيْدٍ : عَلَى رَغْمِ أَنْفِكَ يَا مَاصَّ بَظْرِ أُمِّهِ ! فَقَالَ لَهُ
أَبُو الْعَبَّاسِ : مَهْ ! وَأَمَرَ
أَبَا سَلَمَةَ بِالْعَوْدِ إِلَى مُعَسْكَرِهِ ، فَعَادَ .
[ ص: 8 ] وَأَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، فَلَبِسُوا السِّلَاحَ ، وَاصْطَفُّوا لِخُرُوجِ
أَبِي الْعَبَّاسِ ، وَأَتَوْا بِالدَّوَابِّ ، فَرَكِبَ بِرْذَوْنًا أَبْلَقَ ، وَرَكِبَ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَدَخَلُوا دَارَ الْإِمَارَةِ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَخَطَبَ وَصَلَّى بِالنَّاسِ .
ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ حِينَ بُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ فَقَامَ فِي أَعْلَاهُ ، وَصَعِدَ عَمُّهُ
دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ فَقَامَ دُونَهُ ، فَتَكَلَّمَ
أَبُو الْعَبَّاسِ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اصْطَفَى الْإِسْلَامَ لِنَفْسِهِ ، وَكَرَّمَهُ ، وَشَرَّفَهُ ، وَعَظَّمَهُ ، وَاخْتَارَهُ لَنَا ، فَأَيَّدَهُ بِنَا ، وَجَعَلَنَا أَهْلَهُ ، وَكَهْفَهُ ، وَحِصْنَهُ ، وَالْقُوَّامَ بِهِ ، وَالذَّابِّينَ عَنْهُ ، وَالنَّاصِرِينَ لَهُ ، فَأَلْزَمَنَا كَلِمَةَ التَّقْوَى ، وَجَعَلَنَا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ، وَخَصَّنَا بِرَحِمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَرَابَتِهِ ، وَأَنْشَأَنَا مِنْ آبَائِنَا ، وَأَنْبَتَنَا مِنْ شَجَرَتِهِ ، وَاشْتَقَّنَا مِنْ نَبْعَتِهِ ، جَعَلَهُ مِنْ أَنْفُسِنَا عَزِيزًا عَلَيْهِ مَا عَنِتْنَا ، حَرِيصًا عَلَيْنَا ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفًا رَحِيمًا ، وَوَضَعَنَا مِنَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِالْمَوْضِعِ الرَّفِيعِ .
وَأَنْزَلَ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ كِتَابًا يُتْلَى عَلَيْهِمْ ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ مُحْكَمِ كِتَابِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=33إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى ) .
فَأَعْلَمَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَضْلَنَا ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ حَقَّنَا وَمَوَدَّتَنَا ، وَأَجْزَلَ مِنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ نَصِيبَنَا تَكْرِمَةً لَنَا وَفَضْلًا عَلَيْنَا ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .
وَزَعَمَتِ السَّبَئِيَّةُ الضُّلَّالُ أَنَّ غَيْرَنَا أَحَقُّ بِالرِّيَاسَةِ وَالسِّيَاسَةِ وَالْخِلَافَةِ مِنَّا ، فَشَاهَتْ وُجُوهُهُمْ ! وَلِمَ أَيُّهَا النَّاسُ ؟ ! وَبِنَا هَدَى اللَّهُ النَّاسَ بَعْدَ ضَلَالَتِهِمْ ، وَبَصَّرَهُمْ
[ ص: 9 ] بَعْدَ جَهَالَتِهِمْ ، وَأَنْقَذَهُمْ بَعْدَ هَلَكَتِهِمْ ، وَأَظْهَرَ بِنَا الْحَقَّ ، وَدَحَضَ الْبَاطِلَ ، وَأَصْلَحَ بِنَا مِنْهُمْ مَا كَانَ فَاسِدًا ، وَرَفَعَ بِنَا الْخَسِيسَةَ ، وَتَمَّمَ بِنَا النَّقِيصَةَ ، وَجَمَعَ الْفُرْقَةَ حَتَّى عَادَ النَّاسُ بَعْدَ الْعَدَاوَةِ أَهْلَ التَّعَاطُفِ وَالْبِرِّ وَالْمُوَاسَاةِ فِي دُنْيَاهُمْ ، وَإِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ فِي آخِرَتِهِمْ .
فَتَحَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنَّةً وَمِنْحَةً
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ قَامَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ أَصْحَابُهُ ، وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ، فَحَوَوْا مَوَارِيثَ الْأُمَمِ ، فَعَدَلُوا فِيهَا وَوَضَعُوهَا مَوَاضِعَهَا ، وَأَعْطَوْهَا أَهْلَهَا ، وَخَرَجُوا خِمَاصًا مِنْهَا .
ثُمَّ وَثَبَ
بَنُو حَرْبٍ وَبَنُو مَرْوَانَ فَابْتَزُّوهَا وَتَدَاوَلُوهَا ، فَجَارُوا فِيهَا ، وَاسْتَأْثَرُوا بِهَا ، وَظَلَمُوا أَهْلَهَا بِمَا أَمْلَى اللَّهُ لَهُمْ حِينًا حَتَّى آسَفُوهُ ، فَلَمَّا آسَفُوهُ انْتَقَمَ مِنْهُمْ بِأَيْدِينَا ، وَرَدَّ عَلَيْنَا حَقَّنَا ، وَتَدَارَكَ بِنَا أُمَّتَنَا ، وَوَلِيَ نَصْرَنَا وَالْقِيَامَ بِأَمْرِنَا ، لِيَمُنَّ بِنَا عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ، وَخَتَمَ بِنَا كَمَا افْتَتَحَ بِنَا .
وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَأْتِيَكُمُ الْجَوْرُ مِنْ حَيْثُ جَاءَكُمُ الْخَيْرُ ، وَلَا الْفَسَادُ مِنْ حَيْثُ جَاءَكُمُ الصَّلَاحُ ، وَمَا تَوْفِيقُنَا ( أَهْلَ الْبَيْتِ ) إِلَّا بِاللَّهِ .
يَا أَهْلَ
الْكُوفَةِ أَنْتُمْ مَحَلُّ مَحَبَّتِنَا وَمَنْزِلُ مَوَدَّتِنَا ، أَنْتُمُ الَّذِينَ لَمْ تَتَغَيَّرُوا عَنْ ذَلِكَ ، وَلَمْ يُثْنِكُمْ عَنْهُ تَحَامُلُ أَهْلِ الْجَوْرِ عَلَيْكُمْ حَتَّى أَدْرَكْتُمْ زَمَانَنَا ، وَأَتَاكُمُ اللَّهُ بِدَوْلَتِنَا ، فَأَنْتُمْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِنَا ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْنَا ، وَقَدْ زِدْتُكُمْ فِي أُعْطِيَّاتِكُمْ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، فَاسْتَعِدُّوا فَأَنَا السَّفَّاحُ الْمُبِيحُ ، وَالثَّائِرُ الْمُبِيرُ .
وَكَانَ مَوْعُوكًا فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْوَعْكُ . فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَقَامَ عَمُّهُ
دَاوُدُ عَلَى مَرَاقِي الْمِنْبَرِ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، شُكْرًا لِلَّذِي أَهْلَكَ عَدُوَّنَا ، وَأَصَارَ إِلَيْنَا مِيرَاثَنَا مِنْ نَبِيِّنَا
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
[ ص: 10 ] أَيُّهَا النَّاسُ ! الْآنَ أَقْشَعَتْ حَنَادِسُ الدُّنْيَا ، وَانْكَشَفَ غِطَاؤُهَا ، وَأَشْرَقَتْ أَرْضُهَا وَسَمَاؤُهَا ، وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَطْلَعِهَا ، وَبَزَغَ الْقَمَرُ مِنْ مَبْزَغِهِ ، وَأَخَذَ الْقَوْسَ بَارِيهَا ، وَعَادَ السَّهْمُ إِلَى مَنْزَعِهِ ، وَرَجَعَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ فِي أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ ، أَهْلِ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ بِكُمْ ، وَالْعَطْفِ عَلَيْكُمْ .
أَيُّهَا النَّاسُ ! إِنَّا وَاللَّهِ مَا خَرَجْنَا فِي طَلَبِ هَذَا الْأَمْرِ لِنُكْثِرَ لُجَيْنًا ، وَلَا عِقْيَانًا ، وَلَا نَحْفِرُ نَهْرًا ، وَلَا نَبْنِيَ قَصْرًا ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَتْنَا الْأَنَفَةُ مِنَ ابْتِزَازِهِمْ حَقَّنَا ، وَالْغَضَبُ لِبَنِي عَمِّنَا ، وَمَا كَرِهْنَا مِنْ أُمُورِكُمْ ، فَلَقَدْ كَانَتْ أُمُورُكُمْ تُرْمِضُنَا وَنَحْنُ عَلَى فُرُشِنَا ، وَيَشْتَدُّ عَلَيْنَا سُوءُ سِيرَةِ
بَنِي أُمَيَّةَ فِيكُمْ ، وَاسْتِنْزَالُهُمْ لَكُمْ ، وَاسْتِئْثَارُهُمْ بِفَيْئِكُمْ وَصَدَقَاتِكُمْ وَمَغَانِمِكُمْ عَلَيْكُمْ .
لَكُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذِمَّةُ
الْعَبَّاسِ ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، عَلَيْنَا أَنْ نَحْكُمَ فِيكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَنَعْمَلَ فِيكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَنَسِيرَ فِي الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ بِسِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
تَبًّا تَبًّا
لِبَنِي حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ وَبَنِي مَرْوَانَ ! آثَرُوا فِي مُدَّتِهِمُ الْعَاجِلَةَ عَلَى الْآجِلَةِ ، وَالدَّارَ الْفَانِيَةَ عَلَى الدَّارِ الْبَاقِيَةِ ، فَرَكِبُوا الْآثَامَ ، وَظَلَمُوا الْأَنَامَ ، وَانْتَهَكُوا الْمَحَارِمَ ، وَغَشُوا بِالْجَرَائِمِ ، وَجَارُوا فِي سِيرَتِهِمْ فِي الْعِبَادِ ، وَسُنَّتِهِمْ فِي الْبِلَادِ ، وَمَرِحُوا فِي أَعِنَّةِ الْمَعَاصِي ، وَرَكَضُوا فِي مَيْدَانِ الْغَيِّ جَهْلًا بِاسْتِدْرَاجِ اللَّهِ ، وَأَمْنًا لِمَكْرِ اللَّهِ ، فَأَتَاهُمْ بَأْسُ اللَّهِ بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ، فَأَصْبَحُوا أَحَادِيثَ ، وَمُزِّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ ، فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَأَدَالَنَا اللَّهُ مِنْ
مَرْوَانَ ، وَقَدْ غَرَّهُ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ، وَأَرْسَلَ لِعَدُوِّ اللَّهِ فِي عِنَانِهِ حَتَّى عَثَرَ فِي فَضْلِ خِطَامِهِ ، أَظَنَّ عَدُوُّ اللَّهِ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى حِزْبَهُ ، وَجَمَعَ مَكَايِدَهُ وَرَمَى بِكَتَائِبِهِ ، فَوَجَدَ أَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَبَأْسِهِ وَنِقْمَتِهِ مَا أَمَاتَ بَاطِلَهُ ، وَمَحَا
[ ص: 11 ] ضَلَالَهُ . وَجَعَلَ دَائِرَةَ السَّوْءِ بِهِ ، وَأَحْيَا شَرَفَنَا وَعِزَّنَا وَرَدَّ إِلَيْنَا حَقَّنَا وَإِرْثَنَا .
أَيُّهَا النَّاسُ ! إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، نَصَرَهُ اللَّهُ
نَصْرًا عَزِيزًا ، إِنَّمَا عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ كَارِهٌ أَنْ يَخْلِطَ بِكَلَامِ الْجُمْعَةِ غَيْرَهُ ، وَإِنَّمَا قَطَعَهُ عَنِ اسْتِتْمَامِ الْكَلَامِ شِدَّةُ الْوَعْكِ ، فَادْعُوا اللَّهَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَافِيَةِ ، فَقَدْ بَدَّلَكُمُ اللَّهُ
بِمَرْوَانَ عَدُوِّ الرَّحْمَنِ وَخَلِيفَةِ الشَّيْطَانِ ، الْمُتَّبِعِ السَّفَلَةَ الَّذِينَ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا بِإِبْدَالِ الدِّينِ وَانْتِهَاكِ حَرِيمِ الْمُسْلِمِينَ ، الشَّابَّ الْمُتَكَهِّلَ الْمُتَمَهِّلَ الْمُقْتَدِيَ بِسَلَفِهِ الْأَبْرَارِ الْأَخْيَارِ الَّذِينَ أَصْلَحُوا الْأَرْضَ بَعْدَ فَسَادِهَا بِمَعَالِمِ الْهُدَى وَمَنَاهِجِ التَّقْوَى .
فَعَجَّ النَّاسُ لَهُ بِالدُّعَاءِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَهْلَ
الْكُوفَةِ ! إِنَّا وَاللَّهِ مَا زِلْنَا مَظْلُومِينَ مَقْهُورِينَ عَلَى حَقِّنَا ، حَتَّى أَبَاحَ اللَّهُ شِيعَتَنَا أَهْلَ
خُرَاسَانَ ، فَأَحْيَا بِهِمْ حَقَّنَا ، وَأَبْلَجَ بِهِمْ حُجَّتَنَا ، وَأَظْهَرَ بِهِمْ دَوْلَتَنَا ، وَأَرَاكُمُ اللَّهُ بِهِمْ مَا لَسْتُمْ تَنْتَظِرُونَ ، فَأَظْهَرَ فِيكُمُ الْخَلِيفَةَ مِنْ
هَاشِمٍ ، وَبَيَّضَ بِهِ وُجُوهَكُمْ ، وَأَدَالَكُمْ عَلَى أَهْلِ
الشَّامِ ، وَنَقَلَ إِلَيْكُمُ السُّلْطَانَ ، وَأَعَزَّ الْإِسْلَامَ ، وَمَنَّ عَلَيْكُمْ بِإِمَامٍ مَنَحَهُ الْعَدَالَةَ ، وَأَعْطَاهُ حُسْنَ الْإِيَالَةِ ، فَخُذُوا مَا آتَاكُمُ اللَّهُ بِشُكْرٍ ، وَالْزَمُوا طَاعَتَنَا ، وَلَا تُخْدَعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ ، فَإِنَّ الْأَمْرَ أَمْرُكُمْ ، وَإِنَّ لِكُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ مِصْرًا وَإِنَّكُمْ مِصْرُنَا .
أَلَا وَإِنَّهُ مَا صَعِدَ مِنْبَرَكُمْ هَذَا خَلِيفَةٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=14485أَبِي الْعَبَّاسِ السَّفَّاحِ .
وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِينَا لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنَّا حَتَّى نُسَلِّمَهُ إِلَى
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَبْلَانَا وَأَوْلَانَا .
ثُمَّ نَزَلَ
أَبُو الْعَبَّاسِ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ أَمَامَهُ حَتَّى دَخَلَ الْقَصْرَ ، وَأَجْلَسَ أَخَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15337أَبَا جَعْفَرٍ الْمَنْصُورَ يَأْخُذُ الْبَيْعَةَ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ ، فَلَمْ يَزَلْ يَأْخُذُهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى صَلَّى بِهِمُ الْعَصْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ، وَجَنَّهُمُ اللَّيْلُ ، فَدَخَلَ .
[ ص: 12 ] وَقِيلَ : إِنَّ
دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ لَمَّا تَكَلَّمَ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلِيفَةٌ إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي خَلْفِي .
ثُمَّ نَزَلَا ، وَخَرَجَ
أَبُو الْعَبَّاسِ يُعَسْكِرُ
بِحَمَّامِ أَعْيَنَ فِي عَسْكَرِ
أَبِي سَلَمَةَ ، وَنَزَلَ مَعَهُ فِي حُجْرَتِهِ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ ، وَحَاجِبُ
nindex.php?page=showalam&ids=14485السَّفَّاحِ يَوْمَئِذٍ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَسَّامٍ .
وَاسْتَخْلَفَ عَلَى
الْكُوفَةِ وَأَرْضِهَا عَمَّهُ
دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ ، وَبَعَثَ عَمَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16451عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ إِلَى
أَبِي عَوْنِ بْنِ يَزِيدَ بِشَهْرَزُورَ ، وَبَعَثَ ابْنَ أَخِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16752عِيسَى بْنَ مُوسَى إِلَى
الْحَسَنِ بْنِ قَحْطَبَةَ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يُحَاصِرُ
ابْنَ هُبَيْرَةَ بِوَاسِطٍ ، وَبَعَثَ
يَحْيَى بْنَ جَعْفَرِ بْنِ تَمَّامِ بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى
حُمَيْدِ بْنِ قَحْطَبَةَ بِالْمَدَائِنِ .
وَبَعَثَ
أَبَا الْيَقْظَانِ عُثْمَانَ بْنَ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ إِلَى
بَسَّامِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَسَّامٍ بِالْأَهْوَازِ ، وَبَعَثَ
سَلَمَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ إِلَى
مَالِكِ بْنِ الطَّوَّافِ .
وَأَقَامَ
nindex.php?page=showalam&ids=14485السَّفَّاحُ بِالْعَسْكَرِ أَشْهُرًا ، ثُمَّ ارْتَحَلَ فَنَزَلَ
الْمَدِينَةَ الْهَاشِمِيَّةَ بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ ، وَكَانَ تَنَكَّرَ
لِأَبِي سَلَمَةَ قَبْلَ تَحَوُّلِهِ حَتَّى عَرَفَ ذَلِكَ .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ
دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ وَابْنَهُ
مُوسَى لَمْ يَكُونَا
بِالشَّامِ عِنْدَ مَسِيرِ
بَنِي الْعَبَّاسِ إِلَى
الْعِرَاقِ ، إِنَّمَا كَانَا
بِالْعِرَاقِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَخَرَجَا يُرِيدَانِ
الشَّامَ ، فَلَقِيَهُمَا
أَبُو الْعَبَّاسِ ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ يُرِيدُونَ
الْكُوفَةَ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ ، فَسَأَلَهُمْ
دَاوُدُ عَنْ خَبَرِهِمْ ، فَقَصَّ عَلَيْهِ
أَبُو الْعَبَّاسِ قِصَّتَهُمْ ، وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ
الْكُوفَةَ لِيَظْهَرُوا بِهَا وَيُظْهِرُوا أَمْرَهُمْ .
فَقَالَ لَهُ
دَاوُدُ : يَا
أَبَا الْعَبَّاسِ تَأْتِي
الْكُوفَةَ وَشَيْخُ
بَنِي أُمَيَّةَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ بِحَرَّانَ مُطِلٌّ عَلَى
الْعِرَاقِ فِي أَهْلِ
الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ ، وَشَيْخُ الْعَرَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13614يَزِيدُ بْنُ هُبَيْرَةَ بِالْعِرَاقِ فِي جُنْدِ الْعَرَبِ ! وَقَالَ : يَا عَمِّي مَنْ أَحَبَّ الْحَيَاةَ ذَلَّ ، ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْأَعْشَى :
فَمَا مِيتَةٌ إِنْ مُتُّهَا غَيْرَ عَاجِزٍ بِعَارٍ إِذَا مَا غَالَتِ النَّفْسَ غُولُهَا
.
فَالْتَفَتَ
دَاوُدُ إِلَى ابْنِهِ
مُوسَى ، فَقَالَ : صَدَقَ وَاللَّهِ ابْنُ عَمِّكَ ، فَارْجِعْ بِنَا مَعَهُ نَعِشْ أَعِزَّاءَ أَوْ نَمُتْ كُرَمَاءَ . فَرَجَعُوا جَمِيعًا .
[ ص: 13 ] فَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=16752عِيسَى بْنُ مُوسَى يَقُولُ إِذَا ذَكَرَ خُرُوجَهُمْ مِنَ الْحُمَيْمَةِ يُرِيدُونَ
الْكُوفَةَ : إِنَّ نَفَرًا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا خَرَجُوا مِنْ دَارِهِمْ وَأَهْلِهِمْ يَطْلُبُونَ مَا طَلَبْنَا لَعَظِيمَةٌ هِمَّتُهُمْ ، كَبِيرَةٌ أَنْفُسُهُمْ ، شَدِيدَةٌ قُلُوبُهُمْ .