موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

القاسمي - محمد جمال الدين القاسمي

صفحة جزء
ظاهر آداب التلاوة :

الأدب الأول في حال القارئ :

وهو أن يكون على الوضوء واقفا على هيئة الأدب والسكون إما قائما وإما جالسا ، مستقبلا القبلة مطرقا رأسه غير متربع ولا متكئ ولا جالس على هيئة التكبر ، فإن قرأ على غير وضوء أو كان مضطجعا في الفراش فله أيضا فضل ولكنه دون ذلك ، قال الله تعالى : ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) [ آل عمران : 191 ] فأثنى على الكل ولكن قدم القيام في الذكر ثم القعود ثم الذكر مضطجعا .

الثاني في مقدار القراءة :

وللقراء عادات مختلفة في الاستكثار والاختصار ، والمأثور عن " عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبي بن كعب " رضي الله عنهم أنهم كانوا يختمون القرآن في كل جمعة يقسمونه سبعة أحزاب .

الثالث : الترتيل : هو المستحب في هيئة القرآن لأنا سنبين أن المقصود من القراءة التفكر ، والترتيل معين عليه ، ولذلك نعتت " أم سلمة " رضي الله عنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي تنعت قراءته مفسرة حرفا حرفا .

قال " ابن عباس " رضي الله عنهما : " لأن أقرأ البقرة وآل عمران أرتلهما وأتدبرهما أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله هذرمة " وجلي أن الترتيل والتؤدة أقرب إلى التوقير والاحترام وأشد تأثيرا في القلب من الهذرمة والاستعجال .

الرابع البكاء : وهو مستحب مع القراءة ، ومنشؤه الحزن وذلك أن يتأمل ما فيه من [ ص: 78 ] التهديد والوعيد والمواثيق والعهود ، ثم يتأمل تقصيره في أوامره وزواجره فيحزن لا محالة ويبكي .

الخامس : أن يراعي حق الآيات فإذا مر بآية سجدة سجد ، وكذلك إذا سمع من غيره سجدة سجد إذا سجد التالي ، ولا يسجد إلا إذا كان على طهارة ; وقد قيل في كمالها : إنه يكبر رافعا يديه لتحريمه ثم يكبر للهوي للسجود ثم يكبر للارتفاع ثم يسلم .

السادس : أن يقول في مبتدأ قراءته : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، وفي أثناء القراءة إذا مر بآية تسبيح سبح وكبر ، وإذا مر بآية استغفار دعا واستغفر ، وإن مر بمرجو سأل ، أو بمخوف استعاذ ، يفعل ذلك بلسانه أو بقلبه .

السابع : الإسرار بالقراءة أبعد عن الرياء والتصنع فهو أفضل في حق من يخاف ذلك على نفسه ، فإن لم يخف ولم يكن في الجهر ما يشوش على مصل فالجهر أفضل لأن العمل فيه أكثر ، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر فيه ، ولأنه يطرد النوم في رفع الصوت ويزيد في نشاطه للقراءة ويقلل من كسله ، فمتى حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل .

الثامن : تحسين القراءة وترتيبها من غير تمطيط مفرط يغير النظم فذلك سنة ، وفي الحديث : " زينوا القرآن بأصواتكم " وفي آخر : " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " فقيل به الاستغناء ، وقيل أراد به الترنم وترديد الألحان به وهو أقرب عند أهل اللغة ، واستمع صلى الله عليه وسلم إلى قراءة " أبي موسى " فقال : " لقد أوتي هذا من مزامير آل داود " ويروى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا اجتمعوا أمروا أحدهم أن يقرأ سورة من القرآن .

التالي السابق


الخدمات العلمية