حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما كانت اليمين المنعقدة يشاركها في وجوب الكفارة ثلاثة أشياء فيكون الموجب للكفارة أربعة أشياء نبه عليها بقوله ( وفي النذر المبهم ) أي الذي لم يسم له مخرجا كعلي نذر أو لله علي نذر أو إن فعلت كذا أو شفى الله مريضي فعلي نذر أو لله علي نذر ( و ) في ( اليمين ) بأن قال علي يمين أو لله علي يمين أو إن فعلت كذا فعلي يمين ( و ) في ( الكفارة ) أي الحلف بها كعلي كفارة أو إن فعلت كذا فعلي كفارة ، وفعله ( و ) في اليمين ( المنعقدة على بر ) وتصور بصيغتين ( بإن فعلت ) بكسر الهمزة ، وهي نافية كلا ( ولا فعلت ) والمعنى فيهما لا أفعل كذا ; لأن الكفارة لا تتعلق بالماضي ، وإنما كانت منعقدة على بر ; لأن الحالف بها على البراءة الأصلية حتى يفعل المحلوف عليه ( أو ) المنعقدة على ( حنث ) ، ويحصل أيضا بإحدى صيغتين ( بلأفعلن ) كذا ( أو إن لم أفعل ) كذا ما أقمت في هذه الدار ثم عزم على الإقامة فيها ( إن لم يؤجل ) أي لم يضرب ليمينه أجلا فإن أجل نحو والله لأفعلن كذا في هذا الشهر أو إن لم أفعله فيه فلا أقيم في هذه الدار فهو على بر [ ص: 132 ] حتى يمضي الأجل ، ولا مانع من الفعل أو مانع شرعي أو عادي لا عقلي كما سيأتي وسميت يمين حنث ; لأن الحالف بها على حنث حتى يفعل المحلوف عليه .


( قوله : أي الذي لم يسم له مخرجا ) أي لم يعين فيه المنذور أما لو عين مخرجه باللفظ أو النية لزمه ما عينه ( قوله : كعلي نذر إلخ ) . اعلم أن الله علي صيغة نذر مطلقا سواء علق أو لم يعلق ، وعلي كذا صيغة نذر إن لم يعلق أو علق على أمر غير مكتسب للشخص فإن علق على مكتسب للشخص فهو نذر ويمين باعتبارين فهو نذر من حيث إنه التزام مندوب ، ويمين من حيث إنه غير مقصود به القربة بل الامتناع من الفعل ، والأربعة داخلة في قول المصنف ، وفي النذر المبهم ، وقوله واليمين والكفارة أي ، وفي نذر اليمين ونذر الكفارة فيندرج في كل منهما الصور الأربعة المذكورة في النذر المبهم ، ويحتمل أن المراد ، وفي الحلف باليمين والكفارة .

واعلم أن محل لزوم الكفارة في الحلف باليمين ما لم يكن العرف في اليمين الطلاق ، وإلا لزمه طلقة رجعية كما في بن عن الونشريسي وغيره ، والحق أنه يرجع لعرف البلدان الذي تعارفوه في الطلاق فإن كان عرفهم البتات لزمه الثلاث ، وإن كان عرفهم استعماله في الطلاق فقط حمل على الرجعي ، وعرف مصر إذا قال يمين سفه كان طلاقا فلو جمع الأيمان كلله علي أيمان تعددت الكفارة ، وفي المواق نقلا عن ابن المواز قول باتحادها لتكرر صيغة اليمين بالله فإن ادعى أنه أراد بقوله علي أيمان يمينا واحدة لم يقبل ; لأن الجمع نص ، وإن أراد اثنين فتردد باعتبار أقل الجمع ( قوله : أو إن لم أفعل كذا ما أقمت في هذه الدار ) ظاهر صنيع الشارح أن إن نافية في صيغة البر ، وشرطية في صيغة الحنث ، وليس كذلك بل هي نافية في الصيغتين إن لم يذكر لها جواب نحو والله إن كلمت زيدا أو والله إن لم أكلم زيدا ، ومعنى الصيغة الأولى لا أكلمه ، ومعنى الثانية لا كلمته ; لأن إن نافية ، ولم نافية ونفي النفي إثبات فالفعل في الصيغتين ، وإن كان ماضيا لكن معناه الاستقبال ; لأن الكفارة إنما تتعلق بالمستقبل والذي صرف الماضي للاستقبال الإنشاء إذ الحلف إنشاء ، وإن ذكر لها جواب فهي شرطية فيهما نحو والله إن كلمت زيدا فلا أقيم في هذه البلدة ، ولم أضرب زيدا ما أقمت في هذه الدار ( قوله : إن لم يؤجل ) هذا شرط في كون الصيغتين المذكورتين صيغتي حنث لا شرط في تنجيز الحنث عليه ، ولا في قوله إطعام عشرة مساكين ; لأن وجوب الإطعام في لأفعلن أو إن لم أفعل ليس مشروطا بعدم التأجيل .

وحاصل ما أراد المصنف أن الحالف بهاتين الصيغتين إنما يكون على حنث إذا لم يضرب ليمينه أجلا أي بأن أطلق في يمينه نحو ، والله لا كلمت زيدا أو والله إن لم أكلمه لكن لا يحنث إلا بالموت ، ومن هذا ما نقله المواق والله لأطلقنك فلا يجبر على الكفارة ، ولا يمنع من وطئها ، ولا يحنث إلا بموتها - - [ ص: 132 ] قوله : حتى يمضي الأجل ) أي فإذا مضى الأجل ، ولم يفعل فإنه يحنث هذا إن لم يكن هناك مانع يمنع من الفعل بل ، ولو كان هناك مانع يمنع منه شرعي أو عادي لا إن كان عقليا فلا حنث .

التالي السابق


الخدمات العلمية