صفحة جزء
45 - الدر المنظم في الاسم الأعظم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العليا ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المخصوص بالشفاعة العظمى ، وعلى آله وصحبه ذوي المقام الأسنى ، وبعد ، فقد سئلت عن الاسم الأعظم وما ورد فيه ، فأردت أن أتتبع ما ورد فيه من الأحاديث والآثار والأقوال ، فقلت : في الاسم الأعظم أقوال : الأول أنه لا وجود له ، بمعنى أن أسماء الله تعالى كلها عظيمة لا يجوز تفضيل بعضها على بعض ، ذهب إلى ذلك قوم ، منهم أبو جعفر الطبري وأبو الحسن الأشعري وأبو حاتم ابن حبان والقاضي أبو بكر الباقلاني ، ونحوه قول مالك وغيره : لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض ، وحمل هؤلاء ما ورد من ذكر الاسم الأعظم على أن المراد به العظيم ، وعبارة الطبري : اختلفت الآثار في تعيين الاسم الأعظم ، والذي عندي أن الأقوال كلها صحيحة ؛ إذ لم يرد في خبر منها أنه الاسم الأعظم ، ولا [ ص: 473 ] شيء أعظم منه ، فكأنه تعالى يقول : كل اسم من أسمائي يجوز وصفه بكونه أعظم ، فيرجع إلى معنى عظيم . وقال ابن حبان : الأعظمية الواردة في الأخبار المراد بها : مزيد ثواب الداعي بذلك ، كما أطلق ذلك في القرآن والمراد به مزيد ثواب الداعي والقارئ .

القول الثاني : أنه مما استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه ، كما قيل بذلك في ليلة القدر وفي ساعة الإجابة وفي الصلاة الوسطى .

القول الثالث : أنه ( هو ) نقله الإمام فخر الدين عن بعض أهل الكشف ، واحتج له بأن من أراد أن يعبر عن كلام عظيم بحضرته لم يقل : أنت قلت كذا ، وإنما يقول : هو ؛ تأدبا معه .

القول الرابع : ( الله ) لأنه اسم لم يطلق على غيره ، ولأنه الأصل في الأسماء الحسنى ، ومن ثم أضيفت إليه ، قال ابن أبي حاتم في تفسيره : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا إسماعيل ابن علية ، عن أبي رجاء ، حدثني رجل عن جابر بن عبد الله بن زيد أنه قال : اسم الله الأعظم هو الله ، ألم تسمع أنه يقول : ( الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ) وقال ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، عن سفيان بن عيينة ، عن مسعر قال : قال الشعبي : اسم الله الأعظم : يا الله .

القول الخامس : ( الله الرحمن الرحيم ) قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : ولعل مستنده ما أخرجه ابن ماجه عن عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمها الاسم الأعظم ، فلم يفعل ، فصلت ودعت : اللهم إني أدعوك الله وأدعوك الرحمن وأدعوك الرحيم ، وأدعوك بأسمائك الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم . الحديث ، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال لها : إنه لفي الأسماء التي دعوت بها . قال : وسنده ضعيف ، وفي الاستدلال به نظر . انتهى . قلت : أقوى منه في الاستدلال ما أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه ابن عباس أن عثمان بن عفان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : هو اسم من أسماء الله تعالى ، وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين وبياضها من القرب ، وفي مسند الفردوس للديلمي من حديث ابن عباس مرفوعا : " اسم الله الأعظم في ست آيات من آخر سورة الحشر " .

القول السادس : ( الرحمن الرحيم الحي القيوم ) لحديث الترمذي وغيره عن أسماء بنت يزيد أنه عليه السلام قال : اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين : ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) وفاتحة سورة آل عمران : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) .

[ ص: 474 ] القول السابع : ( الحي القيوم ) لحديث ابن ماجه والحاكم عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه رفعه : الاسم الأعظم في ثلاث سور : البقرة وآل عمران وطه ، قال القاسم الراوي عن أبي أمامة : التمسته فيها فعرفت أنه الحي القيوم ، وقواه الفخر الرازي واحتج بأنهما يدلان على صفات العظمة بالربوبية ما لا يدل على ذلك غيرهما كدلالتهما .

القول الثامن : ( الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام ) لحديث أحمد وأبي داود وابن حبان والحاكم عن أنس " أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلي ثم دعا : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم ، فقال صلى الله عليه وسلم : لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى " .

القول التاسع : ( بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام ) أخرج أبو يعلى من طريق السري بن يحيى عن رجل من طيئ وأثنى عليه خيرا ، قال : كنت أسأل الله تعالى أن يريني الاسم الأعظم فرأيت مكتوبا في الكواكب في السماء : يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام .

القول العاشر : ( ذو الجلال والإكرام ) لحديث الترمذي عن معاذ " سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول : يا ذا الجلال والإكرام ، فقال : قد استجيب لك فسل " وأخرج ابن جرير في تفسير سورة النمل عن مجاهد قال : الاسم الذي إذا دعي به أجاب : يا ذا الجلال والإكرام ، واحتج له الفخر بأنه يشمل جميع الصفات المعتبرة في الإلهية ؛ لأن في الجلال إشارة إلى جميع السلوب ، وفي الإكرام إشارة إلى جميع الإضافات .

القول الحادي عشر : ( الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) لحديث أبي داود والترمذي وابن ماجه والحاكم عن بريدة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فقال : لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب " وفي لفظ عند أبي داود : لقد سألت الله باسمه الأعظم ، قال الحافظ ابن حجر : وهو أرجح من حيث السند عن جميع ما ورد في ذلك .

[ ص: 475 ] القول الثاني عشر : ( رب رب ) أخرج الحاكم عن أبي الدرداء وابن عباس قالا : اسم الله الأكبر رب رب ، وأخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة مرفوعا وموقوفا : إذا قال العبد : يا رب يا رب ، قال الله تعالى : لبيك عبدي سل تعط .

القول الثالث عشر : - ولم أدر من ذكره ( مالك الملك ) أخرج الطبراني في الكبير بسند ضعيف عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في هذه الآية من آل عمران : ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ) إلى قوله : ( وترزق من تشاء بغير حساب ) .

القول الرابع عشر : ( دعوة ذي النون ) لحديث النسائي والحاكم عن فضالة بن عبيد رفعه : دعوة ذي النون في بطن الحوت : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) لم يدع بها رجل مسلم قط إلا استجاب الله له ، وأخرج ابن جرير من حديث معبد مرفوعا : اسم الله الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى : دعوة يونس بن متى ، وأخرج الحاكم عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا : ألا أدلكم على اسم الله الأعظم ؟ دعاء يونس ، فقال رجل : هل كانت ليونس خاصة ؟ فقال : ألا تسمع قوله : ( ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ) وأخرج ابن أبي حاتم عن كثير بن معبد قال : سألت الحسن عن اسم الله الأعظم قال : أما تقرأ القرآن ؟ قول ذي النون : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .

القول الخامس عشر : ( كلمة التوحيد ) نقله عياض .

القول السادس عشر : نقل الفخر الرازي عن زين العابدين أنه سأل الله أن يعلمه الاسم الأعظم ، فرأى في النوم : هو الله الله الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم .

القول السابع عشر : هو مخفي في الأسماء الحسنى ، ويؤيده حديث عائشة المتقدم لما دعت ببعض الأسماء الحسنى ، قال : إنه لفي الأسماء التي دعوت بها .

القول الثامن عشر : إنه كل اسم من أسمائه تعالى دعا العبد به ربه مستغرقا بحيث لا يكون في فكره حالة إذ غير الله ؛ فإن من دعا الله تعالى بهذه الحالة كان قريب الإجابة ، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي يزيد البسطامي أنه سأله رجل عن الاسم الأعظم فقال : ليس له حد محدود ، إنما هو فراغ قلبك بوحدانيته ، فإذا كنت كذلك فافزع إلى أي اسم شئت ؛ [ ص: 476 ] فإنك تسير به إلى المشرق والمغرب ، وأخرج أبو نعيم أيضا عن أبي سليمان الداراني قال : سألت بعض المشايخ عن اسم الله الأعظم قال : تعرف قلبك ؟ قلت : نعم ، قال : فإذا رأيته قد أقبل ورق فسل الله حاجتك ، فذاك اسم الله الأعظم .

وأخرج أبو نعيم أيضا عن ابن الربيع السائح أن رجلا قال له : علمني الاسم الأعظم ، فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، أطع الله يطعك كل شيء .

القول التاسع عشر : ( اللهم ) حكاه الزركشي في شرح جمع الجوامع ، واستدل لذلك بأن الله دال على الذات ، والميم دالة على الصفات التسعة والتسعين ، ذكره ابن مظفر ، ولهذا قال الحسن البصري : اللهم ، مجمع الدعاء ، وقال النضر بن شميل : من قال : اللهم ، فقد دعا الله بجميع أسمائه .

العشرون : ( الم ) أخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : الم هو اسم الله الأعظم ، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الم اسم من أسماء الله الأعظم ، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الم قسم أقسم الله به ، وهو من أسمائه تعالى .

تم الجزء الأول من الحاوي للفتاوي .

ويليه الجزء الثاني ، أوله المنحة في السبحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية