صفحة جزء
مسألة : في قول أهل السنة إن العبد له في فعله نوع اختيار هل هو معارض لقوله تعالى : ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ) .

الجواب : لا معارضة فإن الاختيار الذي بمعنى القدرة والإرادة والإنشاء والإبداع خاص بالله تعالى لا شريك له ، وأما الاختيار الذي أثبته أهل السنة للعبد ، فالمراد به قصده ذلك الفعل وميله إليه ورضاه به الذي هو مخلوق لله تعالى أيضا لا على وجه الإكراه والإلجاء إليه .

والحاصل أن الله تعالى خلق للعبد قدرة بها يميل ويفعل ، فالخلق من الله والميل والفعل من العبد صادران عن تقدير الله له ذلك فهما أثر الخلق والقدرة ، فالاختيار المنسوب للعبد المفسر بما ذكرناه أثر الاختيار المنسوب إلى الله تعالى فافترقا ، ولا إنكار في ذلك ولا معارضة فيه للآية ، وبهذا يتميز أهل السنة عن أهل القدر والجبر معا ، قال الأصبهاني في تفسيره عند قوله تعالى : ( ويمدهم في طغيانهم ) : اعلم أن كل فعل صدر من العبد بالاختيار فله اعتباران إن نظرت إلى وجوده وحدوثه وما هو عليه من وجوه التخصيص فانسب ذلك إلى قدرة الله وإرادته لا شريك له ، وإن نظرت إلى تميزه عن القسري الضروري فانسبه من هذه الجهة إلى العبد وهي النسبة المعبر عنها شرعا بالكسب في قوله تعالى : ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) ، وقوله : ( بما كسبت أيدي الناس ) وهي المحققة أيضا إذا عرضت في ذهنك الحركتين الاضطرارية كالرعشة [ ص: 166 ] والاختيارية فإنك تميز بينهما لا محالة بتلك النسبة ، فإذا تقرر تعدد الاعتبار فمدهم في الطغيان مخلوق لله تعالى فأضافه إليه ، ومن حيث كونه واقعا منهم على وجه الاختيار المعبر عنه بالكسب إضافة إليهم ، انتهى ، وقال في موضع آخر منه : صفة الإرادة للعبد هي القصد .

فهذا تحرير مذهب أهل السنة ، وحاصله أن الاختيار المنسوب إلى العبد هو قصده لذلك الفعل وتوجهه إليه برضا منه وإرادة له وكونه لم يفعله بإلجاء ولا إكراه ولا قسر فتأمل ذلك وافهم ترشد .

التالي السابق


الخدمات العلمية