صفحة جزء
حدثني أبي ، قال : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، قال : ثنا أحمد بن محمد بن يسار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، قال : ثنا يزيد بن عطاء ، عن علقمة بن مرثد ، قال : لما ولي عمر بن هبيرة العراق أرسل إلى الحسن وإلى الشعبي فأمر لهما ببيت وكانا فيه شهرا أو نحوه ، ثم إن الخصي غدا عليهما ذات يوم فقال : إن الأمير داخل عليكما ، فجاء - عمر يتوكأ على عصا له فسلم ثم جلس معظما لهما ، فقال : إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك ينفذ كتبا أعرف أن في إنفاذها الهلكة ، فإن أطعته عصيت الله ، وإن عصيته أطعت الله عز وجل ، فهل تريا لي في متابعتي إياه فرجا ؟ فقال الحسن : يا أبا عمرو أجب الأمير ، فتكلم الشعبي فانحط في حبل ابن هبيرة ، فقال : ما تقول أنت يا أبا سعيد ، فقال : أيها الأمير قد قال الشعبي ما قد سمعت ، قال : ما تقوله أنت يا أبا سعيد ؟ فقال : أقول يا عمر بن هبيرة يوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله تعالى فظ غليظ لا يعصي الله ما أمره فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ، يا عمر بن هبيرة إن تتق الله يعصمك من يزيد بن عبد الملك ولا يعصمك يزيد بن عبد الملك من الله عز وجل . يا عمر بن هبيرة لا تأمن أن ينظر الله إليك على أقبح ما تعمل في طاعة يزيد بن [ ص: 150 ] عبد الملك نظرة مقت فيغلق فيها باب المغفرة دونك ، يا عمر بن هبيرة لقد أدركت ناسا من صدر هذه الأمة كانوا والله على الدنيا وهي مقبلة أشد إدبارا من إقبالكم عليها وهي مدبرة ، يا عمر بن هبيرة إني أخوفك مقاما خوفكه الله تعالى فقال : ( ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) . يا عمر بن هبيرة إن تك مع الله تعالى في طاعاته كفاك بائقة يزيد بن عبد الملك ، وإن تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصي الله وكلك الله إليه ، قال : فبكى - عمر وقام بعبرته ، فلما كان من الغد أرسل إليهما بإذنهما وجوائزها وكثر منه ما للحسن ، وكان في جائزته للشعبي بعض الإقتار فخرج الشعبي إلى المسجد ، فقال : يا أيها الناس من استطاع منكم أن يؤثر الله تعالى على خلقه فليفعل ، فوالذي نفسي بيده ما علم الحسن منه شيئا فجهلته ولكن أردت وجه ابن هبيرة فأقصاني الله منه ؛ قال وقام المغيرة بن مخادش ذات يوم إلى الحسن ، فقال : كيف نصنع بأقوام يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير ؟ فقال الحسن : والله لئن تصحب أقواما يخوفونك حتى يدركك الأمن خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى يلحقك الخوف ، فقال له بعض القوم : أخبرنا صفة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فبكى وقال : ظهرت منهم علامات الخير في السيماء والسمت والهدى والصدق ، وخشونة ملابسهم بالاقتصاد ، وممشاهم بالتواضع ، ومنطقهم بالعمل ، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق ، وخضوعهم بالطاعة لربهم تعالى ، واستفادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا ، وإعطاؤهم الحق من أنفسهم ، ظمأت هواجرهم ، ونحلت أجسامهم ، واستخفوا بسخط المخلوقين رضا الخالق ، لم يفرطوا في غضب ، ولم يحيفوا في جور ، ولم يجاوزوا حكم الله تعالى في القرآن ، شغلوا الألسن بالذكر ، بذلوا دماءهم حين استنصرهم ، وبذلوا أموالهم حين استقرضهم ، ولم يمنعهم خوفهم من المخلوقين . حسنت أخلاقهم ، وهانت مؤنتهم ، وكفاهم اليسير من دنياهم إلى آخرتهم

.

التالي السابق


الخدمات العلمية