صفحة جزء
المسألة الثالثة : أنا إذا قلنا بإثبات الصفات الحقيقية فنقول : الصفة الحقيقية إما أن تكون صفة يلزمها حصول النسبة والإضافة ، وهي مثل العلم والقدرة ، فإن العلم صفة يلزمها كونها متعلقة بالعلوم ، والقدرة صفة يلزمها صحة تعلقها بإيجاد المقدور ، فهذه الصفات وإن كانت حقيقية إلا أنه يلزمها لوازم من باب النسب والإضافات .

أما الصفة الحقيقية العارية عن النسبة والإضافة في حق الله تعالى فليست إلا صفة الحياة فلنبحث عن هذه الصفة فنقول : قالت الفلاسفة : الحي هو الدراك الفعال ، إلا أن الدراكية صفة نسبية والفعالية أيضا كذلك ، وحينئذ لا تكون الحياة صفة مغايرة للعلم والقدرة على هذا القول ، وقال المتكلمون إنها صفة باعتبارها يصح أن يكون عالما قادرا ، واحتجوا عليه بأن الذوات متساوية في الذاتية ومختلفة في هذه الصحة ، فلا بد وأن تكون تلك الذوات مختلفة في قبول صفة الحياة ، فوجب أن تكون صحيحة لأجل صفة زائدة ، فيقال لهم : قد دللنا على أن ذات الله تعالى مخالفة لسائر الذوات لذاته المخصوصة ، فسقط هذا الدليل ، وأيضا الذوات مختلفة في قبول صفة الحياة ، فوجب أن يكون صحة قبول الحياة لصفة أخرى ، ولزم التسلسل ، ولا جواب عنه إلا أن يقال : إن تلك الصحة من لوازم الذات المخصوصة فاذكروا هذا الكلام في صحة العالمية ، وقال قوم ثالث : معنى كونه حيا أنه لا يمتنع أن يقدر ويعلم ، فهذا عبارة عن نفي الامتناع ، ولكن الامتناع عدم ، فنفيه يكون عدما للعدم ، فيكون ثبوتا فيقال لهم : هذا مسلم لكن لم لا يجوز أن يكون هذا الثبوت هو تلك الذات المخصوصة ؟ فإن قالوا : الدليل عليه أنا نعقل تلك الذات مع الشك في كونها حية ، فوجب أن يكون كونها حية مغايرا لتلك الذات ، فيقال لهم : قد دللنا على أن لا نعقل ذات الله تعالى تعقلا ذاتيا ، وإنما نتعقل تلك الذات تعقلا عرضيا ، وعند هذا يسقط هذا الدليل ، فهذا تمام الكلام في هذا الباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية