صفحة جزء
ثم قال :( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) وفيه مسائل :

[ ص: 138 ] المسألة الأولى : بين تعالى أن النزاع يوجب أمرين :

أحدهما : أنه يوجب حصول الفشل والضعف .

والثاني : قوله :( وتذهب ريحكم ) وفيه قولان :

الأول : المراد بالريح الدولة ، شبهت الدولة وقت نفاذها وتمشية أمرها بالريح وهبوبها ، يقال : هبت رياح فلان ، إذا دانت له الدولة ونفذ أمره .

الثاني : أنه لم يكن قط نصر إلا بريح يبعثها الله ، وفي الحديث : " نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور " ، والقول الأول أقوى ؛ لأنه تعالى جعل تنازعهم مؤثرا في ذهاب الريح ، ومعلوم أن اختلافهم لا يؤثر في هبوب الصبا ، قال مجاهد :( وتذهب ريحكم ) أي نصرتكم ، وذهبت ريح أصحاب محمد حين تنازعوا يوم أحد .

المسألة الثانية : احتج نفاة القياس بهذه الآية فقالوا : القول بالقياس يفضي إلى المنازعة ، والمنازعة محرمة ، فهذه الآية توجب أن يكون العمل بالقياس حراما ، بيان الملازمة المشاهدة ، فإنا نرى أن الدنيا صارت مملوءة من الاختلافات بسبب القياسات ، وبيان أن المنازعة محرمة قوله :( ولا تنازعوا ) وأيضا القائلون بأن النص لا يجوز تخصيصه بالقياس تمسكوا بهذه الآية ، وقالوا : قوله تعالى :( وأطيعوا الله ورسوله ) صريح في وجوب طاعة الله ورسوله في كل ما نص عليه ، ثم أتبعه بأن قال :( ولا تنازعوا فتفشلوا ) ومعلوم أن من تمسك بالقياس المخصص بالنص فقد ترك طاعة الله وطاعة رسوله ، وتمسك بالقياس الذي يوجب التنازع والفشل ، وكل ذلك حرام ، ومثبتو القياس أجابوا عن الأول بأنه ليس كل قياس يوجب المنازعة .

ثم قال تعالى :( واصبروا إن الله مع الصابرين ) والمقصود أن كمال أمر الجهاد مبني على الصبر ، فأمرهم بالصبر ، كما قال في آية أخرى :( اصبروا وصابروا ورابطوا ) [آل عمران : 200] وبين أنه تعالى مع الصابرين ، ولا شبهة أن المراد بهذه المعية النصرة والمعونة .

التالي السابق


الخدمات العلمية