ثم قال تعالى : ( 
فأصبح يقلب كفيه   ) وهو كناية عن الندم والحسرة ، فإن من عظمت حسرته يصفق إحدى يديه على الأخرى ، وقد يمسح إحداهما على الأخرى ، وإنما يفعل هذا ندامة على ما أنفق في الجنة التي وعظه أخوه فيها وعذله : ( 
وهي خاوية على عروشها   ) أي ساقطة على عروشها فيمكن أن يكون المراد بالعروش عروش الكرم ، فهذه العروش سقطت ثم سقطت الجدران عليها ، ويمكن أن يراد من العروش السقوف وهي سقطت على الجدران ، وحاصل الكلام : أن هذه اللفظة كناية عن بطلانها وهلاكها ، ثم قال تعالى : ( 
ويقول ياليتني لم أشرك بربي أحدا   ) والمعنى أن المؤمن لما قال : ( 
لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا   ) فهذا الكافر تذكر كلامه وقال : ( 
ويقول ياليتني لم أشرك بربي أحدا   ) فإن قيل : هذا الكلام يوهم أنه إنما هلكت جنته بشؤم شركه ، وليس الأمر كذلك ؛ لأن أنواع البلاء أكثرها إنما يقع للمؤمنين قال تعالى : ( 
ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون   ) ( الزخرف : 33 ) وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013142خص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ، ثم الأمثل فالأمثل   " ، وأيضا فلما قال : ( 
ويقول ياليتني لم أشرك بربي أحدا   ) فقد ندم على الشرك ورغب في التوحيد فوجب أن يصير مؤمنا ، فلم قال بعده : ( 
ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا   ) . 
والجواب عن السؤال الأول : أنه لما عظمت حسرته لأجل أنه أنفق عمره في تحصيل الدنيا وكان معرضا في كل عمره عن طلب الدين ، فلما ضاعت الدنيا بالكلية بقي الحرمان عن الدنيا والدين عليه ، فلهذا السبب عظمت حسرته . 
والجواب عن السؤال الثاني : أنه إنما ندم على الشرك لاعتقاده أنه لو كان موحدا غير مشرك لبقيت عليه جنته ، فهو إنما رغب في التوحيد والرد عن الشرك لأجل طلب   
[ ص: 110 ] الدنيا فلهذا السبب ما صار توحيده مقبولا عند الله ثم قال تعالى : ( 
ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله   ) وفيه بحثان : 
البحث الأول : قرأ 
حمزة  والكسائي    : ( ولم يكن له فئة ) بالياء لأن قوله : ( 
فئة   ) جمع فإذا تقدم على الكناية جاز التذكير ؛ ولأنه رعاية للمعنى ، والباقون بالتاء المنقوطة باثنتين من فوق ؛ لأن الكناية عائدة إلى اللفظة وهي الفئة . 
البحث الثاني : المراد من قوله : ( 
ينصرونه من دون الله   ) هو أنه ما حصلت له فئة يقدرون على نصرته من دون الله ؛ أي هو الله تعالى وحده القادر على نصرته ، ولا يقدر أحد غيره أن ينصره ، ثم قال تعالى : ( 
هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا   ) . 
المسألة الأولى : اختلف القراء في ثلاثة مواضع من هذه الآية : 
أولها : في لفظ الولاية ، ففي قراءة 
حمزة  والكسائي  بكسر الواو ، وفي قراءة الباقين بالفتح . وحكي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو بن العلاء  أنه قال : كسر الواو لحن ، قال صاحب الكشاف : الولاية بالفتح النصرة والتولي ، وبالكسر السلطان والملك . 
وثانيها : قرأ 
أبو عمرو  والكسائي  قوله : (الحق) بالرفع ، والتقدير : هنالك الولاية الحق لله وقرأ الباقون بالجر صفة لله . 
وثالثها : قرأ 
ابن كثير  وأبو عمرو  ونافع  والكسائي  وابن عامر  عقبا بضم القاف ، وقرأ 
عاصم  وحمزة    (عقبى) بتسكين القاف . 
المسألة الثانية : ( 
هنالك الولاية لله   ) فيه وجوه : 
الأول : أنه تعالى لما ذكر من قصة الرجلين ما ذكر علمنا أن 
النصرة والعاقبة المحمودة كانت للمؤمن على الكافر ، وعرفنا أن الأمر هكذا يكون في حق كل مؤمن وكافر فقال : ( 
هنالك الولاية لله الحق   ) أي في مثل ذلك الوقت ، وفي مثل ذلك المقام تكون الولاية لله يوالي أولياءه فيغلبهم على أعدائه ويفوض أمر الكفار إليهم ، فقوله : هنالك إشارة إلى الموضع والوقت الذي يريد الله إظهار كرامة أوليائه وإذلال أعدائه فيهما . 
والوجه الثاني في التأويل : أن يكون المعنى في مثل تلك الحالة الشديدة يتولى الله ويلتجئ إليه كل محتاج مضطر ، يعني أن قوله : ( 
ويقول ياليتني لم أشرك بربي أحدا   ) كلمة ألجئ إليها ذلك الكافر ، فقالها جزعا مما ساقه إليه شؤم كفره ، ولولا ذلك لم يقلها . 
والوجه الثالث : المعنى : هنالك الولاية لله ينصر بها أولياءه المؤمنين على الكفرة ، وينتقم لهم ويشفي صدورهم من أعدائهم يعني : أنه تعالى نصر بما فعل بالكافر أخاه المؤمن وصدق قوله في قوله : ( 
فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء   ) ويعضده قوله : ( 
هو خير ثوابا وخير عقبا   ) أي لأوليائه . 
والوجه الرابع : أن قوله هنالك إشارة إلى الدار الآخرة أي في تلك الدار الآخرة الولاية لله ، كقوله ( 
لمن الملك اليوم لله   ) ثم قال تعالى : ( 
هو خير ثوابا   ) أي في الآخرة لمن آمن به والتجأ إليه : ( 
وخير عقبا   ) أي هو خير عاقبة لمن رجاه وعمل لوجهه ، وقد ذكرنا أنه قرئ (عقبى) بضم القاف وسكونها وعقبى على فعلى ، وكلها بمعنى العاقبة .