صفحة جزء
( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ) [ القصة السادسة ، قصة أيوب عليه السلام ]

قوله تعالى : ( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين )

اعلم أن في أمر أيوب عليه السلام ، وما ذكره الله تعالى من شأنه هاهنا ، وفي غيره من القرآن من العبر والدلائل ما ليس في غيره ؛ لأنه تعالى مع عظيم فضله أنزل به من المرض العظيم ما أنزله مما كان غيره له ولغيره ، ولسائر من سمع بذلك وتعريفا لهم أن الدنيا مزرعة الآخرة ، وأن الواجب على المرء أن يصبر على ما يناله من البلاء فيها ، ويجتهد في القيام بحق الله تعالى ، ويصبر على حالتي الضراء والسراء ؛ وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قال وهب بن منبه : كان أيوب عليه السلام رجلا من الروم ، وهو أيوب بن أنوص ، وكان من ولد عيص بن إسحاق ، وكانت أمه من ولد لوط ، وكان الله تعالى قد اصطفاه وجعله نبيا ، وكان مع ذلك قد أعطاه من الدنيا حظا وافرا من النعم والدواب والبساتين ، وأعطاه أهلا وولدا من رجال ونساء ، وكان رحيما بالمساكين ، وكان يكفل الأيتام والأرامل ويكرم الضيف وكان معه ثلاثة نفر قد آمنوا به وعرفوا فضله ، قال وهب : وإن لجبريل عليه السلام بين يدي الله تعالى مقاما ليس لأحد من الملائكة مثله في القربة والفضيلة ، وهو الذي يتلقى الكلام فإذا ذكر الله عبدا بخير تلقاه جبريل عليه السلام ، ثم تلقاه ميكائيل عليه السلام ثم من حوله من الملائكة المقربين ، فإذا شاع ذلك فهم يصلون عليه ، ثم صلت ملائكة السماوات ثم ملائكة الأرض ، وكان إبليس لم يحجب عن شيء من السماوات ، وكان يقف فيهن حيثما أراد ، ومن هناك وصل إلى [ ص: 177 ] آدم عليه السلام حتى أخرجه من الجنة ، ولم يزل على ذلك حتى رفع عيسى عليه السلام فحجب عن أربع ، فكان يصعد بعد ذلك إلى ثلاث إلى زمان نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فحجب عند ذلك عن جميع السماوات إلا من استرق السمع ، قال : فسمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب فأدركه الحسد ، فصعد سريعا حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه ، فقال : يا رب ، إنك أنعمت على عبدك أيوب فشكرك ، وعافيته فحمدك ، ثم لم تجربه بشدة ولا بلاء ، وأنا لك زعيم لئن ضربته بالبلاء ليكفرن بك ، فقال الله تعالى : انطلق فقد سلطتك على ماله . فانقض الملعون حتى وقع إلى الأرض وجمع عفاريت الشياطين ، وقال لهم : ماذا عندكم من القوة فإني سلطت على مال أيوب ؟ قال عفريت : أعطيت من القوة ما إذا شئت تحولت إعصارا من نار فأحرقت كل شيء آتي عليه ، فقال إبليس : فأت الإبل ورعاءها ، فذهب ولم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار لا يدنو منها شيء إلا احترق ، فلم يزل يحرقها ورعاءها حتى أتى على آخرها ، فذهب إبليس على شكل بعض أولئك الرعاة إلى أيوب ، فوجده قائما يصلي ، فلما فرغ من الصلاة قال : يا أيوب ، هل تدري ما صنع ربك الذي اخترته بإبلك ورعائها ؟ فقال أيوب : إنها ماله أعارنيه ، وهو أولى به ؛ إذا شاء نزعه . قال إبليس : فإن ربك أرسل عليها نارا من السماء فاحترقت ، ورعاؤها كلها ، وتركت الناس مبهوتين متعجبين منها ، فمن قائل يقول : ما كان أيوب يعبد شيئا ، وما كان إلا في غرور ، ومن قائل يقول : لو كان إله أيوب يقدر على شيء لمنع من وليه ، ومن قائل آخر يقول : بل هو الذي فعل ما فعل ليشمت عدوه به ويفجع به صديقه .

فقال أيوب عليه السلام : الحمد لله حين أعطاني وحين نزع مني ، عريانا خرجت من بطن أمي ، وعريانا أعود في التراب ، وعريانا أحشر إلى الله تعالى ، ولو علم الله فيك أيها العبد خيرا لنقل روحك مع تلك الأرواح ، وصرت شهيدا وآجرني فيك ، ولكن الله علم منك شرا فأخرك . فرجع إبليس إلى أصحابه خاسئا .

فقال عفريت آخر : عندي من القوة ما إذا شئت صحت صوتا لا يسمعه ذو روح إلا خرجت روحه ، فقال إبليس : فأت الغنم ورعاءها ، فانطلق فصاح بها فماتت ومات رعاؤها ؛ فخرج إبليس متمثلا بقهرمان الرعاة إلى أيوب ، فقال له القول الأول ، ورد عليه أيوب الرد الأول ، فرجع إبليس صاغرا .

فقال عفريت آخر : عندي من القوة ما إذا شئت تحولت ريحا عاصفة أقلع كل شيء أتيت عليه ، قال : فاذهب إلى الحرث والثيران . فأتاهم فأهلكهم ثم رجع إبليس متمثلا حتى جاء أيوب وهو يصلي ، فقال مثل قوله الأول ، فرد عليه أيوب الرد الأول ، فجعل إبليس يصيب أمواله شيئا فشيئا حتى أتى على جميعها ، فلما رأى إبليس صبره على ذلك وقف الموقف الذي كان يقفه عند الله تعالى ، وقال : يا إلهي ، هل أنت مسلطي على ولده ، فإنها الفتنة المضلة ؛ فقال الله تعالى : انطلق فقد سلطتك على ولده ، فأتى أولاد أيوب في قصرهم فلم يزل يزلزله بهم من قواعده حتى قلب القصر عليهم ، ثم جاء إلى أيوب متمثلا بالمعلم ، وهو جريح مشدوخ الرأس يسيل دمه ودماغه ، فقال : لو رأيت بنيك كيف انقلبوا منكوسين على رءوسهم تسيل أدمغتهم من أنوفهم لتقطع قلبك ، فلم يزل يقول هذا ويرققه حتى رق أيوب عليه السلام وبكى ، وقبض قبضة من التراب ووضعها على رأسه ، فاغتنم ذلك إبليس ، ثم لم يلبث أيوب عليه السلام حتى استغفر واسترجع فصعد إبليس ووقف موقفه ، وقال : يا إلهي ، إنما يهون على أيوب خطر المال والولد ، لعلمه أنك تعيد له المال والولد ، فهل أنت مسلطي على جسده ، وإني لك زعيم ، لو ابتليته في جسده ليكفرن بك ، فقال تعالى : انطلق فقد سلطتك على جسده ، وليس لك سلطان على عقله وقلبه ولسانه ؛ فانقض عدو الله سريعا ؛ فوجد أيوب عليه السلام ساجدا لله تعالى ، فأتاه من قبل الأرض فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده ، وخرج به من فرقه إلى قدمه [ ص: 178 ] ثآليل ، وقد وقعت فيه حكة لا يملكها ، وكان يحك بأظفاره حتى سقطت أظفاره ، ثم حكها بالمسوح الخشنة ثم بالفخار والحجارة ، ولم يزل يحكها حتى تقطع لحمه وتغير ونتن ، فأخرجه أهل القرية وجعلوه على كناسة وجعلوا له عريشا ورفضه الناس كلهم غير امرأته رحمة بنت أفرايم بن يوسف عليه السلام ، فكانت تصلح أموره .

ثم إن وهبا طول في الحكاية إلى أن قال : إن أيوب عليه السلام أقبل على الله تعالى مستغيثا متضرعا إليه ، فقال : يا رب ، لأي شيء خلقتني يا ليتني ، كنت حيضة ألقتني أمي ، ويا ليتني ، كنت عرفت الذنب الذي أذنبته ، والعمل الذي عملت حتى صرفت وجهك الكريم عني ، ألم أكن للغريب دارا ، وللمسكين قرارا ، ولليتيم وليا ، وللأرملة قيما ، إلهي أنا عبد ذليل ؛ إن أحسنت فالمن لك ، وإن أسأت فبيدك عقوبتي ، جعلتني للبلاء غرضا ، وللفتنة نصبا ، وسلطت علي ما لو سلطته على جبل لضعف من حمله ؛ إلهي تقطعت أصابعي ، وتساقطت لهواتي ، وتناثر شعري ، وذهب المال ، وصرت أسأل اللقمة فيطعمني من يمن بها علي ، ويعيرني بفقري وهلاك أولادي .

قال الإمام أبو القاسم الأنصاري رحمه الله : وفي جملة هذا الكلام : ليتك لو كرهتني لم تخلقني ، ثم قال : ولو كان ذلك صحيحا لاغتنمه إبليس ، فإن قصده أن يحمله على الشكوى ، وأن يخرجه عن حلية الصابرين ، والله تعالى لم يخبر عنه إلا قوله : ( أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) ثم قال : ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ) [ ص : 44 ] واختلف العلماء في السبب الذي قال لأجله : ( أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) وفي مدة بلائه .

فالرواية الأولى : روى ابن شهاب عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أيوب عليه السلام بقي في البلاء ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان ويروحان إليه ، فقال أحدهما للآخر ذات يوم : والله ، لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين ، فقال له صاحبه : وما ذاك ؟ فقال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله تعالى ، ولم يكشف ما به ، فلما راما إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك لأيوب عليه السلام ؛ فقال أيوب : ما أدري ما تقولون ، غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله عز وجل فأرجع إلى بيتي ، فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق . وفي رواية أخرى : أن الرجلين لما دخلا عليه وجدا ريحا ، فقالا : لو كان لأيوب عند الله خير ما بلغ إلى هذه الحالة ، قال : فما شق على أيوب شيء مما ابتلي به أشد مما سمع منهما ، فقال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت شبعانا ، وأنا أعلم بمكان جائع فصدقني فصدقه وهما يسمعان ، ثم خر أيوب عليه السلام ساجدا ، ثم قال : اللهم ، إني لا أرفع رأسي حتى تكشف ما بي ، قال : فكشف الله ما به .

الرواية الثانية : قال الحسن رحمه الله : " مكث أيوب عليه السلام بعد ما ألقي على الكناسة سبع سنين وأشهرا ، ولم يبق له مال ولا ولد ولا صديق غير امرأته رحمة صبرت معه ، وكانت تأتيه بالطعام وتحمد الله تعالى مع أيوب ، وكان أيوب مواظبا على حمد الله تعالى والثناء عليه ، والصبر على ما ابتلاه ، فصرخ إبليس صرخة جزعا من صبر أيوب ، فاجتمع جنوده من أقطار الأرض وقالوا له : ما خبرك ؟ قال : أعياني هذا العبد الذي سألت الله أن يسلطني عليه وعلى ماله وولده ؛ فلم أدع له مالا ولا ولدا ، ولم يزدد بذلك إلا صبرا وحمدا لله تعالى ، ثم سلطت على جسده ؛ فتركته ملقى في كناسة وما يقربه إلا امرأته ، وهو مع ذلك لا يفتر عن الذكر والحمد لله ، فاستعنت بكم لتعينوني عليه فقالوا له : أين مكرك ! أين عملك الذي أهلكت به من مضى ؟ قال : بطل ذلك كله فيأيوب فأشيروا علي ، قالوا : أدليت آدم حين أخرجته من الجنة من أين أتيته ؟ قال من قبل امرأته ، قالوا : [ ص: 179 ] فشأنك بأيوب من قبل امرأته ، فإنه لا يستطيع أن يعصيها ؛ لأنه لا يقربه أحد غيرها ، قال : أصبتم ، فانطلق حتى أتى امرأته ؛ فتمثل لها في صورة رجل ، فقال : أين بعلك يا أمة الله ؟ قالت : هو هذا يحك قروحه ، وتتردد الدواب في جسده ، فلما سمعها طمع أن يكون ذلك كله جزعا ، فوسوس إليها ، وذكرها ما كان لها من النعم والمال ، وذكرها جمال أيوب وشبابه - قال الحسن رحمه الله : - فصرخت ، فلما صرخت علم أنها قد جزعت فأتاها بسخلة ، وقال : ليذبح هذه لي أيوب ويبرأ ، قال : فجاءت تصرخ إلى أيوب يا أيوب ، حتى متى يعذبك ربك ، ألا يرحمك أين المال ؟ أين الماشية ؟ أين الولد ؟ أين الصديق ؟ أين اللون الحسن ؟ أين جسمك الذي قد بلي وصار مثل الرماد ؟ وتردد فيه الدواب ؛ اذبح هذه السخلة واسترح .

فقال أيوب عليه السلام : أتاك عدو الله ، ونفخ فيك فأجبتيه ! ويلك ! أترين ما تبكين عليه مما تذكرين مما كنا فيه من المال والولد والصحة ، من أعطانا ذلك ؟ قالت : الله . قال : فكم متعنا به ؟ قالت : ثمانين سنة . قال : فمنذ كم ابتلانا الله بهذا البلاء ؟ قالت : منذ سبع سنين وأشهر ، قال : ويلك ! والله ما أنصفت ربك ، ألا صبرت في البلاء ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة ، والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة ، أمرتني أن أذبح لغير الله ، وحرام علي أن أذوق بعد هذا شيئا من طعامك وشرابك الذي تأتيني به ، فطردها فذهبت ، فلما نظر أيوب في شأنه ، وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق ، وقد ذهبت امرأته خر ساجدا ، وقال : ( أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) فقال : ارفع رأسك ، فقد استجبت لك : ( اركض برجلك ) [ ص : 42 ] فركض برجله فنبعت عين ماء فاغتسل منها ، فلم يبق في ظاهر بدنه دابة إلا سقطت منه ، ثم ضرب برجله مرة أخرى فنبعت عين أخرى فشرب منها ، فلم يبق في جوفه داء إلا خرج ، وقام صحيحا ، وعاد إليه شبابه وجماله حتى صار أحسن ما كان ، ثم كسي حلة ؛ فلما قام جعل يلتفت فلا يرى شيئا مما كان له من الأهل والولد والمال ، إلا وقد ضعفه الله تعالى حتى صار أحسن مما كان ، حتى ذكر أن الماء الذي اغتسل منه تطاير على صدره جرادا من ذهب .

قال : فجعل يضمه بيده ، فأوحى الله إليه يا أيوب ، ألم أغنك ؟ قال : بلى ، ولكنها بركتك فمن يشبع منها ، قال : فخرج حتى جلس على مكان مشرف ، ثم إن امرأته قالت : هب أنه طردني ، أفأتركه حتى يموت جوعا وتأكله السباع ، لأرجعن إليه ، فلما رجعت ما رأت تلك الكناسة ولا تلك الحال ، وإذا بالأمور قد تغيرت ، فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة وتبكي ، وذلك بعين أيوب عليه السلام ، وهابت صاحب الحلة أن تأتيه وتسأله عنه فأرسل إليها أيوب عليه السلام ودعاها ، وقال : ما تريدين يا أمة الله ؟ فبكت وقالت : أردت ذلك المبتلى الذي كان ملقى على الكناسة ، فقال لها أيوب عليه السلام : ما كان منك ، فبكت وقالت : بعلي ، فقال : أتعرفينه إذا رأيته ، قالت : وهل يخفى على أحد يراه ! فتبسم وقال : أنا هو ، فعرفته بضحكه ، فاعتنقته ثم قال : إنك أمرتني أن أذبح سخلة لإبليس ، وإني أطعت الله وعصيت الشيطان ، ودعوت الله تعالى فرد علي ما ترين " .

الرواية الثالثة : قال الضحاك ومقاتل : بقي في البلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات ، وقال وهب رحمه الله : بقي في البلاء ثلاث سنين ، فلما غلب أيوب إبليس لعنه الله ، ذهب إبليس إلى امرأته على هيئة ليست كهيئة بني آدم في العظم والجمال ، على مركب ليس كمراكب الناس ، وقال لها : أنت صاحبة أيوب ؟ قالت : نعم ، قال : فهل تعرفيني ؟ قالت : لا ؛ قال : أنا إله الأرض ، أنا صنعت بأيوب ما صنعت ، وذلك أنه عبد إله السماء وتركني فأغضبني ، ولو سجد لي سجدة واحدة رددت عليك وعليه جميع ما لكما من مال وولد ، فإن ذلك عندي ، قال وهب : وسمعت أنه قال : لو أن صاحبك أكل طعاما ، ولم يسم الله تعالى لعوفي مما هو فيه ، [ ص: 180 ] من البلاء ، وفي رواية أخرى : بل قال لها : لو شئت فاسجدي لي سجدة واحدة حتى أرد عليك المال والولد وأعافي زوجك ، فرجعت إلى أيوب فأخبرته بما قال لها ، فقال لها أيوب : أتاك عدو الله ليفتنك عن دينك ، ثم أقسم لئن عافاني الله لأجلدنك مائة جلدة ، وقال عند ذلك : ( مسني الضر ) يعني من طمع إبليس في سجودي له ، وسجود زوجتي ودعائه إياها وإياي إلى الكفر .

الرواية الرابعة : قال وهب : كانت امرأة أيوب عليه السلام تعمل للناس وتأتيه بقوته ، فلما طال عليه البلاء سئمها الناس ، فلم يستعملوها فالتمست ذات يوم شيئا من الطعام ، فلم تجد شيئا فجزت قرنا من رأسها فباعته برغيف ، فأتته به فقال لها : أين قرنك فأخبرته بذلك ، فحينئذ قال : ( مسني الضر ) .

الرواية الخامسة : قال إسماعيل السدي : لم يقل أيوب ( مسني الضر ) إلا لأشياء ثلاث :

أحدها : قول الرجلين له : لو كان عملك الذي كنا نرى لله تعالى لما أصابك الذي أصابك .

وثانيها : كان لامرأته ثلاث ذوائب فعمدت إلى إحداها وقطعتها وباعتها ، فأعطوها بذلك خبزا ولحما ؛ فجاءت إلى أيوب عليه السلام فقال : من أين هذا ؟ فقالت : كل ؛ فإنه حلال ، فلما كان من الغد لم تجد شيئا ، فباعت الثانية ، وكذلك فعلت في اليوم الثالث ، وقالت : كل ، فإنه حلال ؛ فقال : لا آكل ما لم تخبريني فأخبرته ، فبلغ ذلك من أيوب ما الله به عليم ، وقيل : إنما باعت ذوائبها ؛ لأن إبليس تمثل لقوم في صورة بشر ، وقال : لئن تركتم أيوب في قريتكم ، فإني أخاف أن يعدي إليكم ما به من العلة ، فأخرجوه إلى باب البلد ، ثم قال لهم : إن امرأته تدخل في بيوتكم ، وتعمل وتمس زوجها ، أما تخافون أن تعدي إليكم علته ، فحينئذ لم يستعملها أحد فباعت ضفيرتها .

وثالثها : حين قالت له امرأته ما قالت فحينئذ دعا .

الرواية السادسة : قيل : سقطت دودة من فخذه فرفعها وردها إلى موضعها ، وقال : قد جعلني الله تعالى طعمة لك ، فعضته عضة شديدة ، فقال : ( مسني الضر ) . فأوحى الله تعالى إليه لولا أني جعلت تحت كل شعرة منك صبرا لما صبرت .

التالي السابق


الخدمات العلمية