( 
ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها   ) 
ثم قال تعالى : ( 
ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير   ) . 
أي 
من كذب بالكتاب المنزل من قبل وبالرسول أخذه الله تعالى ، فكذلك من يكذب بالنبي عليه السلام ، وقوله : ( 
فكيف كان نكير   ) سؤال للتقرير ، فإنهم علموا شدة إنكار الله عليهم وإتيانه بالأمر المنكر من الاستئصال . 
ثم قال تعالى : ( 
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها   ) . 
وهذا استدلال بدليل آخر على 
وحدانية الله وقدرته ، وفي تفسيرها مسائل : 
المسألة الأولى : ذكر هذا الدليل على طريقة الاستخبار ، وقال : ( 
ألم تر   ) وذكر الدليل المتقدم على طريقة الإخبار وقال : ( 
والله الذي أرسل الرياح   ) وفيه وجهان : 
الأول : أن إنزال الماء أقرب إلى النفع ، والمنفعة فيه أظهر ، فإنه لا يخفى على أحد في الرؤية أن 
الماء منه حياة الأرض ، فعظم دلالته بالاستفهام ؛ لأن الاستفهام الذي للتقرير لا يقال إلا في الشيء الظاهر جدا ، كما أن من أبصر الهلال وهو خفي جدا ، فقال له غيره : أين هو ، فإنه يقول له : في الموضع الفلاني ، فإن لم يره ، يقول له : الحق معك إنه خفي وأنت معذور ، وإذا كان بارزا يقول له : أما تراه ، هذا هو ظاهر . 
والثاني : وهو أنه ذكره بعدما قرر المسألة بدليل آخر ، وظهر بما تقدم للمدعو بصارة بوجوه الدلالات ، فقال له : أنت صرت بصيرا بما ذكرناه ولم يبق لك عذر ، ألا ترى هذه الآية . 
المسألة الثانية : المخاطب من هو ؟ يحتمل وجهين : 
أحدهما : النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه حكمة ؛ وهي أن الله تعالى لما ذكر الدلائل ، ولم تنفعهم قطع الكلام معهم والتفت إلى غيرهم ، كما أن السيد إذا نصح بعض العبيد ، ومنعهم من الفساد ولا ينفعهم الإرشاد ، يقول لغيره : اسمع ولا تكن مثل هذا ويكرر معه ما ذكره مع الأول ، ويكون فيه إشعار بأن الأول فيه نقيصة لا يستأهل للخطاب ، فيتنبه له ويدفع عن نفسه تلك النقيصة . 
والآخر : أن لا يخرج إلى كلام أجنبي عن الأول ، بل يأتي بما يقاربه لئلا يسمع الأول كلاما آخر ، فيترك التفكر فيما كان فيه من النصيحة . 
المسألة الثالثة : هذا 
استدلال على قدرة الله واختياره حيث أخرج من الماء الواحد ثمرات مختلفة ، وفيه لطائف : 
الأولى : قال : أنزل ، وقال : أخرجنا . 
وقد ذكرنا فائدته ونعيدها ، فنقول : قال الله تعالى : ( 
ألم تر أن الله أنزل   ) فإن كان جاهلا يقول : نزول الماء بالطبع لثقله ، فيقال له : فالإخراج لا يمكنك أن تقول فيه إنه بالطبع فهو بإرادة الله ، فلما كان ذلك أظهر أسنده إلى المتكلم . 
ووجه آخر : هو أن الله تعالى لما قال : ( 
أن الله أنزل   ) علم الله بدليل ، وقرب المتفكر فيه إلى الله تعالى فصار من الحاضرين ، فقال له : أخرجنا لقربه . 
ووجه ثالث :   
[ ص: 19 ] الإخراج أتم نعمة من الإنزال ، لأن الإنزال لفائدة الإخراج ، فأسند الأتم إلى نفسه بصيغة المتكلم ، وما دونه بصيغة الغائب .