وأما شرح أحوال العالم الأسفل فأولها : 
الأرض ، وقد وصفها بصفات كثيرة   : 
إحداها : كونه مهدا ، قال تعالى : ( 
الذي جعل لكم الأرض مهدا   ) [ طه : 53 ] . 
وثانيتها : كونه مهادا ، قال تعالى : ( 
ألم نجعل الأرض مهادا   )   
[ ص: 235 ]   [ النبأ : 6 ] . 
وثالثتها : كونه كفاتا ، قال تعالى : ( 
كفاتا أحياء وأمواتا   ) [ المرسلات : 25 ] . 
ورابعتها : الذلول ، قال تعالى : ( 
هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا   ) [ الملك : 15 ] . 
والخامسة : كونه بساطا ، قال تعالى : ( 
والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا   ) [ نوح : 20 ] ، والكلام فيه طويل . 
وثانيها : البحر ، قال تعالى : ( 
وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا   ) [ النحل : 14 ] . 
وثالثها : الهواء والرياح ، قال تعالى : ( 
وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته   ) [ الأعراف : 57 ] ، وقال تعالى : ( 
وأرسلنا الرياح لواقح   ) [ الحجر : 22 ] . 
ورابعها : الآثار العلوية كالرعد والبرق ، قال تعالى : ( 
ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته   ) [ الرعد : 13 ] ، وقال تعالى : ( 
فترى الودق يخرج من خلاله   ) [ الرعد : 43 ] ، ومن هذا الباب ذكر الصواعق والأمطار وتراكم السحاب . 
وخامسها : أحوال الأشجار والثمار وأنواعها وأصنافها . 
وسادسها : أحوال الحيوانات ، قال تعالى : ( 
وبث فيها من كل دابة   ) [ البقرة : 164 ] ، وقال : ( 
والأنعام خلقها لكم   ) [ النحل : 5 ] . 
وسابعها : عجائب تكوين الإنسان في أول الخلقة ، قال : ( 
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين   ) [ المؤمنون : 12 ] . 
وثامنها : العجائب في سمعه وبصره ولسانه وعقله وفهمه . 
وتاسعها : تواريخ الأنبياء والملوك وأحوال الناس من أول خلق العالم إلى آخر قيام القيامة . 
وعاشرها : ذكر أحوال الناس عند الموت وبعد الموت ، وكيفية البعث والقيامة ، وشرح أحوال السعداء والأشقياء ، فقد أشرنا إلى عشرة أنواع من العلوم في عالم السماوات ، وإلى عشرة أخرى في عالم العناصر ، والقرآن مشتمل على شرح هذه الأنواع من العلوم العالية الرفيعة . 
وأما القسم الرابع : وهو شرح أحكام الله تعالى وتكاليفه ، فنقول : هذه التكاليف إما أن تحصل في أعمال القلوب أو في أعمال الجوارح . 
أما القسم الأول : فهو المسمى بعلم الأخلاق ، وبيان تمييز الأخلاق الفاضلة والأخلاق الفاسدة ، والقرآن يشتمل على كل ما لا بد منه في هذا الباب ، قال الله تعالى : ( 
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي   ) [ النحل : 90 ] ، وقال : ( 
خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين   ) [ الأعراف : 199 ] . 
وأما الثاني : فهو التكاليف الحاصلة في أعمال الجوارح ، وهو المسمى بعلم الفقه ، والقرآن مشتمل على جملة أصول هذا العلم على أكمل الوجوه . 
وأما القسم الخامس : وهو معرفة أسماء الله تعالى فهو مذكور في قوله تعالى : ( 
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها   ) [ الأعراف : 180 ] فهذا كله يتعلق بمعرفة الله . 
وأما القسم الثاني : 
من الأصول المعتبرة في الإيمان : الإقرار بالملائكة كما قال تعالى : ( 
والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته   ) [ البقرة : 285 ] ، والقرآن يشتمل على شرح صفاتهم ؛ تارة على سبيل الإجمال ، وأخرى على طريق التفصيل ، أما بالإجمال فقوله : ( 
وملائكته   ) وأما بالتفصيل فمنها ما يدل على كونهم رسل الله ، قال تعالى : ( 
جاعل الملائكة رسلا   ) [ فاطر : 1 ] ، ومنها أنها مدبرات لهذا العالم ، قال تعالى : ( 
فالمقسمات أمرا   ) ، ( 
فالمدبرات أمرا   ) [ النازعات : 5 ] ، وقال تعالى : ( 
والصافات صفا   ) [ الصافات : 1 ] ومنها حملة العرش ، قال : ( 
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية   ) [ الحاقة : 17 ] ، ومنها الحافون حول العرش قال : ( 
وترى الملائكة حافين من حول العرش   )   
[ ص: 236 ]   [ الزمر : 75 ] ، ومنها خزنة النار ، قال تعالى : ( 
عليها ملائكة غلاظ شداد   ) [ التحريم : 6 ] ، ومنها الكرام الكاتبون قال : ( 
وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين   ) [ الانفطار : 10 ] ومنها المعقبات ، قال تعالى : ( 
له معقبات من بين يديه ومن خلفه   ) [ الرعد : 11 ] وقد يتصل بأحوال الملائكة أحوال الجن والشياطين . 
وأما القسم الثالث : 
من الأصول المعتبرة في الإيمان معرفة الكتب ، 
والقرآن يشتمل على شرح أحوال كتاب آدم  عليه السلام ، قال تعالى : ( 
فتلقى آدم من ربه كلمات   ) [ البقرة : 37 ] ومنها أحوال صحف 
إبراهيم  عليه السلام ، قال تعالى : ( 
وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن   ) [ البقرة : 124 ] ، ومنها أحوال التوراة والإنجيل والزبور . 
وأما القسم الرابع : 
من الأصول المعتبرة في الإيمان معرفة الرسل ، والله تعالى قد شرح أحوال البعض ، وأبهم أحوال الباقين ، قال : ( 
منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك   ) [ غافر : 78 ] . 
القسم الخامس : ما يتعلق بأحوال المكلفين ، وهي على نوعين : 
الأول : أن يقروا بوجوب هذه التكاليف عليهم ، وهو المراد من قوله : ( 
وقالوا سمعنا وأطعنا   ) [ البقرة : 285 ] . 
الثاني : أن يعترفوا بصدور التقصير عنهم في تلك الأعمال ، ثم طلبوا المغفرة ، وهو المراد من قوله : ( 
غفرانك ربنا   ) [ البقرة : 285 ] ، ثم لما كانت مقادير رؤية التقصير في مواقف العبودية بحسب المكاشفات في مطالعة عزة الربوبية أكثر ، كانت المكاشفات في تقصير العبودية أكثر ، وكان قوله : ( 
غفرانك ربنا   ) أكثر . 
القسم السادس : معرفة المعاد والبعث والقيامة ، وهو المراد من قوله : ( 
وإليك المصير   ) [ البقرة : 285 ] ، وهذا هو الإشارة إلى معرفة المطالب المهمة في طلب الدين ، والقرآن بحر لا نهاية له في تقرير هذه المطالب ، وتعريفها وشرحها ، ولا ترى في مشارق الأرض ومغاربها كتابا يشتمل على جملة هذه العلوم كما يشتمل القرآن عليها ، ومن تأمل في هذا التفسير علم أنا لم نذكر من بحار فضائل القرآن إلا قطرة ، ولما كان الأمر على هذه الجملة ، لا جرم مدح الله عز وجل القرآن ، فقال تعالى : ( 
الله نزل أحسن الحديث   ) ، والله أعلم . 
الصفة الثانية من 
صفات القرآن قوله تعالى : ( 
كتابا متشابها   ) ، أما الكتاب فقد فسرناه في قوله تعالى : ( 
ذلك الكتاب لا ريب فيه   ) [ البقرة : 2 ] ، وأما كونه متشابها فاعلم أن هذه الآية تدل على أن القرآن كله متشابه ، وقوله : ( 
هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات   ) [ آل عمران : 7 ] يدل على كون البعض متشابها دون البعض . 
وأما كونه كله متشابها كما في هذه الآية ، فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : معناه أنه يشبه بعضه بعضا ، وأقول : هذا التشابه يحصل في أمور : 
أحدها : أن الكاتب البليغ إذا كتب كتابا طويلا ، فإنه يكون بعض كلماته فصيحا ، ويكون البعض غير فصيح ، والقرآن يخالف ذلك ، فإنه فصيح كامل الفصاحة بجميع أجزائه . 
وثانيها : أن الفصيح إذا كتب كتابا في واقعة بألفاظ فصيحة ، فلو كتب كتابا آخر في غير تلك الواقعة كان الغالب أن كلامه في الكتاب الثاني غير كلامه في الكتاب الأول ، والله تعالى حكى قصة 
موسى  عليه السلام في مواضع كثيرة من القرآن ، وكلها متساوية متشابهة في الفصاحة . 
وثالثها : أن كل ما فيه من الآيات والبيانات فإنه يقوي بعضها بعضا ، ويؤكد بعضها بعضا . 
ورابعها : أن هذه الأنواع الكثيرة من العلوم التي عددناها متشابهة متشاركة في أن المقصود منها بأسرها الدعوة إلى الدين وتقرير عظمة الله ، ولذلك فإنك لا ترى قصة من القصص إلا ويكون محصلها المقصود الذي ذكرناه ، فهذا هو المراد من كونه متشابها ، والله الهادي .  
[ ص: 237 ] الصفة الثالثة : 
من صفات القرآن كونه " مثاني " ، وقد بالغنا في تفسير هذه اللفظة عند قوله تعالى : ( 
ولقد آتيناك سبعا من المثاني   ) [ الحجر : 87 ] ، وبالجملة فأكثر الأشياء المذكورة وقعت زوجين زوجين ، مثل : الأمر والنهي ، والعام والخاص ، والمجمل والمفصل ، وأحوال السماوات والأرض ، والجنة والنار ، والظلمة والضوء ، واللوح والقلم ، والملائكة والشياطين ، والعرش والكرسي ، والوعد والوعيد ، والرجاء والخوف ، والمقصود منه بيان أن كل ما سوى الحق زوج ، ويدل على أن كل شيء مبتلى بضده ونقيضه ، وأن الفرد الأحد الحق هو الله سبحانه . 
الصفة الرابعة : من صفات القرآن قوله : ( 
تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله   ) [ الزمر : 23 ] ، وفيه مسائل :