صفحة جزء
( وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ) .

وقوله تعالى : ( وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ) .

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى وبخ على ترك الإيمان بشرطين أحدهما : أن يدعو الرسول ، والمراد أنه يتلو عليهم القرآن المشتمل على الدلائل الواضحة . الثاني : أنه أخذ الميثاق عليهم ، وذكروا في أخذ الميثاق وجهين :

الأول : ما نصب في العقول من الدلائل الموجبة لقبول دعوة الرسل ، واعلم أن تلك الدلائل كما اقتضت وجوب القبول فهي أوكد من الحلف واليمين ، فلذلك سماه ميثاقا ، وحاصل الأمر أنه تطابقت دلائل النقل والعقل ، أما النقل فبقوله : ( والرسول يدعوكم ) ، وأما العقل فبقوله : ( وقد أخذ ميثاقكم ) ومتى اجتمع هذان النوعان ، فقد بلغ الأمر إلى حيث تمتنع الزيادة عليه ، واحتج بهذه الآية من زعم أن معرفة الله تعالى لا تجب إلا بالسمع ، قال : لأنه تعالى إنما ذمهم بناء على أن الرسول يدعوهم ، فعلمنا أن استحقاق الذم لا يحصل إلا عند دعوة الرسول .

الوجه الثاني في تفسير أخذ الميثاق : قال عطاء ومجاهد والكلبي والمقاتلان : يريد حين أخرجهم من ظهر آدم ، وقال : ( ألست بربكم قالوا بلى ) [ الأعراف : 172 ] وهذا ضعيف ، وذلك لأنه تعالى إنما ذكر أخذ الميثاق ليكون ذلك سببا في أنه لم يبق لهم عذر في ترك الإيمان بعد ذلك ، وأخذ الميثاق وقت إخراجهم من ظهر آدم غير معلوم للقوم إلا بقول الرسول ، فقبل معرفة صدق الرسول لا يكون ذلك سببا في وجوب تصديق الرسول ، أما نصب الدلائل والبينات فمعلوم لكل أحد ، فذلك يكون سببا لوجوب الإيمان بالرسول ، فعلمنا أن تفسير الآية بهذا المعنى غير جائز .

المسألة الثانية : قال القاضي قوله : ( وما لكم ) يدل على قدرتهم على الإيمان إذ لا يجوز أن يقال ذلك إلا لمن لا يتمكن من الفعل ، كما لا يقال : ما لك لا تطول ولا تبيض ، فيدل هذا على أن الاستطاعة قبل الفعل ، وعلى أن القدرة صالحة للضدين ، وعلى أن الإيمان حصل بالعبد لا بخلق الله .

المسألة الثالثة : قرئ : " وقد أخذ ميثاقكم " على البناء للفاعل ، أما قوله : ( إن كنتم مؤمنين ) فالمعنى إن كنتم تؤمنون بشيء لأجل دليل ، فما لكم لا تؤمنون الآن ، فإنه قد تطابقت الدلائل النقلية والعقلية ، وبلغت مبلغا لا يمكن الزيادة عليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية