[ ص: 257 ]   ( سورة الممتحنة ) 
وهي ثلاث عشرة آية مدنية 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( 
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة   ) 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( 
ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة   ) وفي الآية مسائل : 
المسألة الأولى : اعلم أن جملة ما يتحقق به التعلق بما قبلها هو أنهما يشتركان في بيان 
حال الرسول صلى الله عليه وسلم مع الحاضرين في زمانه من اليهود  والنصارى  وغيرهم ، فإن بعضهم أقدموا على الصلح واعترفوا بصدقه ، ومن جملتهم 
بنو النضير  ، فإنهم قالوا : والله إنه النبي الذي وجدنا نعته وصفته في التوراة ، وبعضهم أنكروا ذلك وأقدموا على القتال ، إما على التصريح وإما على الإخفاء ، فإنهم مع أهل الإسلام في الظاهر ، ومع أهل الكفر في الباطن ، وأما تعلق الأول بالآخر فظاهر ، لما أن آخر تلك السورة يشتمل على الصفات الحميدة لحضرة الله تعالى من الوحدانية وغيرها ، وأول هذه السورة مشتمل على حرمة الاختلاط مع من لم يعترف بتلك الصفات . 
المسألة الثانية : أما 
سبب النزول فقد روي أنها نزلت في 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013804 nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة  ، لما كتب إلى أهل مكة   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز للفتح ، ويريد أن يغزوكم فخذوا حذركم ، ثم أرسل ذلك الكتاب مع امرأة مولاة لبني هاشم  ، يقال لها سارة  ، جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة  إلى المدينة  ، فقال عليه السلام : أمسلمة جئت ؟ قالت : لا ، قال : أمهاجرة جئت ؟ قالت : لا ، قال : فما جاء بك ؟ قالت : قد ذهب الموالي يوم بدر    - أي قتلوا في ذلك اليوم - فاحتجت حاجة شديدة ، فحث عليها بني المطلب  فكسوها وحملوها وزودوها ، فأتاها حاطب  وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا واستحملها ذلك الكتاب إلى أهل مكة   ، فخرجت سائرة ، فأطلع الله الرسول عليه السلام على ذلك ، فبعث عليا  وعمر  وعمارا  وطلحة  والزبير  خلفها وهم فرسان ، فأدركوها وسألوها عن ذلك فأنكرت وحلفت ، فقال علي  عليه السلام : والله ما كذبنا ، ولا كذب رسول الله ، وسل سيفه ، فأخرجته من عقاص شعرها ، فجاءوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضه على حاطب  فاعترف ، وقال : إن لي بمكة  أهلا ومالا فأردت أن أتقرب منهم ، وقد علمت أن الله تعالى ينزل بأسه عليهم ، فصدقه وقبل عذره ، فقال عمر    : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال صلى الله عليه وسلم : ما يدريك يا عمر  لعل الله تعالى قد اطلع على أهل بدر    [ ص: 258 ] فقال لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، ففاضت عينا عمر  ، وقال : الله ورسوله أعلم فنزلت ، وأما تفسير الآية فالخطاب في : ( 
ياأيها الذين آمنوا   ) قد مر ، وكذلك في 
الإيمان أنه في نفسه شيء واحد وهو التصديق بالقلب أو أشياء كثيرة وهي الطاعات ، كما ذهب إليه 
المعتزلة    . 
وأما قوله تعالى : ( 
لا تتخذوا عدوي وعدوكم   ) فاتخذ يتعدى إلى مفعولين ، وهما عدوي وأولياء ، والعدو فعول من عدا ، كعفو من عفا ، ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد ، والعداوة ضد الصداقة ، وهما لا يجتمعان في محل واحد ، في زمان واحد ، من جهة واحدة ، لكنهما يرتفعان في مادة الإمكان ، وعن 
الزجاج  والكرابيسي    " عدوي " أي عدو ديني ، وقال عليه السلام : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013805  " المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل " nindex.php?page=hadith&LINKID=16013806وقال عليه السلام لأبي ذر    : " يا أبا ذر  أي عرى الإيمان أوثق ؟ فقال الله ورسوله أعلم ، فقال : الموالاة في الله ، والحب في الله ، والبغض في الله " وقوله تعالى : ( 
تلقون إليهم بالمودة   ) فيه مسألتان : 
المسألة الأولى : قوله : ( 
تلقون   ) بماذا يتعلق ، نقول : فيه وجوه : 
الأول : قال صاحب النظم : هو وصف النكرة التي هي أولياء ، قاله 
الفراء    . 
والثاني : قال في الكشاف : يجوز أن يتعلق بلا تتخذوا حالا من ضميره ، وأولياء صفة له . 
الثالث : قال ويجوز أن يكون استئنافا ، فلا يكون صلة لأولياء ، والباء في المودة كهي في قوله تعالى : ( 
ومن يرد فيه بإلحاد بظلم   ) والمعنى : تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسره بالمودة التي بينكم وبينهم ، ويدل عليه : ( 
تسرون إليهم بالمودة   ) [ الممتحنة : 1 ] . 
المسألة الثانية : في الآية مباحث : 
الأول : اتخاذ العدو وليا كيف يمكن ، وقد كانت العداوة منافية للمحبة والمودة ، والمحبة والمودة من لوازم ذلك الاتخاذ ، نقول : لا يبعد أن تكون العداوة بالنسبة إلى أمر ، والمحبة والمودة بالنسبة إلى أمر آخر ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ( 
إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم   ) [ التغابن : 14 ] والنبي صلى الله عليه وسلم قال : " 
أولادنا أكبادنا   " . 
الثاني : لما قال : ( عدوي ) فلم لم يكتف به حتى قال : ( 
وعدوكم   ) لأن عدو الله إنما هو عدو المؤمنين ؟ نقول : الأمر لازم من هذا التلازم ، وإنما لا يلزم من كونه عدوا للمؤمنين أن يكون عدوا لله ، كما قال : ( 
إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم   ) . 
الثالث : لم قال : ( 
عدوي وعدوكم   ) ولم يقل بالعكس ؟ فنقول : 
العداوة بين المؤمن والكافر بسبب محبة الله تعالى ومحبة رسوله ، فتكون محبة العبد من أهل الإيمان لحضرة الله تعالى لعلة ، ومحبة حضرة الله تعالى للعبد لا لعلة ، لما أنه غني على الإطلاق ، فلا حاجة به إلى الغير أصلا ، والذي لا لعلة مقدم على الذي لعلة ، ولأن الشيء إذا كان له نسبة إلى الطرفين ، فالطرف الأعلى مقدم على الطرف الأدنى . 
الرابع : قال : ( 
أولياء   ) ولم يقل : وليا ، والعدو والولي بلفظ ، فنقول : كما أن المعرف بحرف التعريف يتناول كل فرد ، فكذلك المعرف بالإضافة . 
الخامس : منهم من قال : الباء زائدة ، وقد مر أن 
الزيادة في القرآن لا تمكن ، والباء مشتملة على الفائدة ، فلا تكون زائدة في الحقيقة .