( 
والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا   ) . 
الدليل الثالث : على التوحيد قوله تعالى : ( 
والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا   ) . 
واعلم أنه تعالى رجع ههنا إلى دلائل الأنفس وهو كالتفسير لقوله : ( 
خلقكم أطوارا   ) فإنه بين أنه تعالى   
[ ص: 125 ] خلقهم من الأرض ثم يردهم إليها ثم يخرجهم منها مرة أخرى ، أما قوله : ( 
أنبتكم من الأرض نباتا   ) ففيه مسألتان : 
المسألة الأولى : في هذه الآية وجهان : 
أحدهما : معنى قوله : ( 
أنبتكم من الأرض   ) أي أنبت أباكم من الأرض كما قال : ( 
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب   ) [آل عمران : 59] . 
والثاني : أنه تعالى أنبت الكل من الأرض ؛ لأنه تعالى إنما يخلقنا من النطف وهي متولدة من الأغذية المتولدة من النبات المتولد من الأرض . 
المسألة الثانية : كان ينبغي أن يقال : أنبتكم إنباتا إلا أنه لم يقل ذلك بل قال : أنبتكم نباتا ، والتقدير أنبتكم فنبتم نباتا ، وفيه دقيقة لطيفة وهي أنه لو قال : أنبتكم إنباتا كان المعنى أنبتكم إنباتا غريبا ، ولما قال : أنبتكم نباتا كان المعنى أنبتكم فنبتم نباتا عجيبا ، وهذا الثاني أولى ؛ لأن الإنبات صفة لله تعالى , وصفة الله غير محسوسة لنا ، فلا نعرف أن ذلك الإنبات إنبات عجيب كامل إلا بواسطة إخبار الله تعالى ، وهذا المقام مقام الاستدلال على 
كمال قدرة الله تعالى فلا يمكن إثباته بالسمع ، أما لما قال : "أنبتكم نباتا" على معنى أنبتكم فنبتم نباتا عجيبا كاملا, كان ذلك وصفا للنبات بكونه عجيبا كاملا ، وكون النبات كذلك أمر مشاهد محسوس ، فيمكن الاستدلال به على كمال قدرة الله تعالى ، فكان هذا موافقا لهذا المقام . 
فظهر أن العدول من تلك الحقيقة إلى هذا المجاز كان لهذا السر اللطيف ، أما قوله : ( 
ثم يعيدكم فيها   ) فهو إشارة إلى 
الطريقة المعهودة في القرآن من أنه تعالى لما كان قادرا على الابتداء كان قادرا على الإعادة ، وقوله : ( 
ويخرجكم إخراجا   ) أكده بالمصدر كأنه قال : يخرجكم حقا لا محالة .