( 
إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق   )  
[ ص: 111 ] قوله تعالى : ( 
إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق   ) 
اعلم أنه سبحانه لما ذكر قصة أصحاب الأخدود ، أتبعها بما يتفرع عليها من أحكام الثواب والعقاب فقال : ( 
إن الذين فتنوا المؤمنين   ) وهاهنا مسائل : 
المسألة الأولى : يحتمل أن يكون المراد منه أصحاب الأخدود فقط ، ويحتمل أن يكون المراد كل من فعل ذلك وهذا أولى ; لأن اللفظ عام والحكم عام فالتخصيص ترك للظاهر من غير دليل . 
المسألة الثانية : أصل الفتنة الابتلاء والامتحان ، وذلك لأن أولئك الكفار امتحنوا أولئك المؤمنين وعرضوهم على النار وأحرقوهم ، وقال بعض المفسرين الفتنة هي الإحراق بالنار وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ومقاتل    : ( 
فتنوا المؤمنين   ) حرقوهم بالنار ، قال 
الزجاج    : يقال فتنت الشيء أحرقته والفتن أحجار سود كأنها محترقة ، ومنه قوله تعالى : ( 
يوم هم على النار يفتنون   ) [ الذاريات : 13 ] . 
المسألة الثالثة : قوله تعالى : ( 
ثم لم يتوبوا   ) يدل على أنهم لو تابوا لخرجوا عن هذا الوعيد وذلك يدل على القطع بأن 
الله تعالى يقبل التوبة ، ويدل على أن توبة القاتل عمدا مقبولة خلاف ما يروى عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    . 
المسألة الرابعة : في قوله : ( 
فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق   ) قولان : 
الأول : أن كلا العذابين يحصلان في الآخرة ، إلا أن عذاب جهنم وهو العذاب الحاصل بسبب كفرهم ، وعذاب الحريق هو العذاب الزائد على عذاب الكفر بسبب أنهم أحرقوا المؤمنين ، فيحتمل أن يكون العذاب الأول عذاب برد والثاني عذاب إحراق وأن يكون الأول عذاب إحراق والزائد على الإحراق أيضا إحراق ، إلا أن العذاب الأول كأنه خرج عن أن يسمى إحراقا بالنسبة إلى الثاني ، لأن الثاني قد اجتمع فيه نوعا الإحراق فتكامل جدا فكان الأول ضعيفا ، فلا جرم لم يسم إحراقا . 
القول الثاني : أن قوله : ( 
فلهم عذاب جهنم   ) إشارة إلى عذاب الآخرة : ( 
ولهم عذاب الحريق   ) إشارة إلى ما ذكرنا أن أولئك الكفار ارتفعت عليهم نار الأخدود فاحترقوا بها .