[ ص: 123 ]   [ سورة الأعلى ] 
تسع عشرة آية مكية 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( 
سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى   ) 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( 
سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى   ) اعلم أن قوله تعالى : ( 
سبح اسم ربك الأعلى   ) فيه مسائل : 
المسألة الأولى : في قوله : ( 
اسم ربك   ) قولان : 
أحدهما : أن المراد 
الأمر بتنزيه اسم الله وتقديسه   . 
والثاني : أن الاسم صلة والمراد الأمر بتنزيه الله تعالى . 
أما على الوجه الأول ففي اللفظ احتمالات . 
أحدها : أن المراد نزه اسم ربك عن أن تسمي به غيره ، فيكون ذلك نهيا على أن يدعى غيره باسمه ، كما كان المشركون يسمون الصنم باللات ، 
ومسيلمة برحمان اليمامة    . 
وثانيها : أن 
لا يفسر أسماؤه بما لا يصح ثبوته في حقه سبحانه نحو أن يفسر الأعلى بالعلو في المكان والاستواء بالاستقرار بل يفسر العلو بالقهر والاقتدار والاستواء بالاستيلاء . 
وثالثها : أن يصان عن الابتذال والذكر لا على وجه الخشوع والتعظيم ، ويدخل فيه أن يذكر تلك الأسماء عند الغفلة وعدم الوقوف على معانيها وحقائقها . 
ورابعها : أن يكون 
المراد بسبح اسم ربك ، أي مجده بأسمائه التي أنزلتها عليك وعرفتك أنها أسماؤه كقوله : ( 
قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن   ) [ الإسراء : 110 ] ونظير هذا التأويل قوله تعالى : ( 
فسبح باسم ربك العظيم   ) [ الواقعة : 74 ] ومقصود الكلام من هذا التأويل أمران : أحدهما : ( 
سبح اسم ربك الأعلى   ) ، أي صل باسم ربك ، لا كما يصلي المشركون بالمكاء والتصدية . 
والثاني : أن 
لا يذكر العبد ربه إلا بالأسماء التي ورد التوقيف بها ، قال 
الفراء    : لا فرق بين ( 
سبح اسم ربك   ) وبين ( سبح باسم ربك ) قال 
الواحدي    : وبينهما فرق لأن معنى ( سبح باسم ربك ) نزه الله تعالى بذكر اسمه المنبئ عن تنزيهه وعلوه عما يقول المبطلون ، و ( 
سبح اسم ربك   ) أي نزه الاسم   
[ ص: 124 ] من السوء وخامسها : قال 
أبو مسلم    : المراد من الاسم هاهنا الصفة ، وكذا في قوله تعالى : ( 
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها   ) [ الأعراف : 180 ] أما على الوجه الثاني وهو أن يكون الاسم صلة ويكون المعنى سبح ربك وهو اختيار جمع من المحققين ، قالوا : لأن الاسم في الحقيقة لفظة مؤلفة من حروف ولا يجب تنزيهها كما يجب في الله تعالى ، ولكن المذكور إذا كان في غاية العظمة لا يذكر هو بل يذكر اسمه فيقال : سبح اسمه ، ومجد ذكره ، كما يقال : سلام على المجلس العالي ، وقال 
لبيد    : 
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما 
أي السلام وهذه طريقة مشهورة في اللغة ، ونقول على هذا الوجه : تسبيح الله يحتمل وجهين : 
الأول : أن 
لا يعامل الكفار معاملة يقدمون بسببها على ذكر الله بما لا ينبغي على ما قال : ( 
ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم   ) [ الأنعام : 108 ] . 
الثاني : أنه عبارة عن 
تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق به ، في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ، وفي أسمائه وفي أحكامه ، أما في ذاته فأن يعتقد أنها ليست من الجواهر والأعراض ، وأما في صفاته ، فأن يعتقد أنها ليست محدثة ولا متناهية ولا ناقصة ، وأما في أفعاله فأن يعتقد أنه مالك مطلق ، فلا اعتراض لأحد عليه في أمر من الأمور ، وقالت 
المعتزلة    : هو أن يعتقد أن كل ما فعله فهو صواب حسن ، وأنه لا يفعل القبيح ولا يرضى به ، وأما في أسمائه فأن لا يذكر سبحانه إلا بالأسماء التي ورد التوقيف بها ، هذا عندنا وأما عند 
المعتزلة  فهو أن لا يذكر إلا بالأسماء التي لا توهم نقصا بوجه من الوجوه سواء ورد الإذن بها أو لم يرد ، وأما في أحكامه فهو أن يعلم أنه ما كلفنا لنفع يعود إليه . بل إما لمحض المالكية على ما هو قولنا ، أو لرعاية مصالح العباد على ما [ هو ] قول المعتزلة .