المسألة السادسة : 
من الملحدين من قال : بأن القرآن مشعر بأن للعالم ربين أحدهما عظيم والآخر أعلى منه ، أما العظيم فقوله : ( 
فسبح باسم ربك العظيم   ) وأما الأعلى منه فقوله : ( 
سبح اسم ربك الأعلى   ) فهذا يقتضي وجوب رب آخر يكون هذا أعلى بالنسبة إليه . 
واعلم أنه لما 
دلت الدلائل على أن الصانع تعالى واحد سقط هذا السؤال ، ثم نقول ليس في هذه الآية أنه سبحانه وتعالى أعلى من رب آخر ، بل ليس فيه إلا أنه أعلى ، ثم لنا فيه تأويلات . 
الأول : 
أنه تعالى أعلى وأجل وأعظم من كل ما يصفه به الواصفون ، ومن كل ذكر يذكره به الذاكرون ، فجلال كبريائه أعلى من معارفنا وإدراكاتنا ، وأصناف آلائه ونعمائه أعلى من حمدنا وشكرنا ، وأنواع حقوقه أعلى من طاعاتنا وأعمالنا . 
الثاني : أن قوله : ( الأعلى ) تنبيه على استحقاق الله التنزيه من كل نقص فكأنه قال سبحانه فإنه : ( الأعلى ) أي فإنه العالي على كل شيء بملكه وسلطانه وقدرته ، وهو كما تقول : اجتنبت الخمر المزيلة للعقل أي اجتنبتها بسبب كونها مزيلة للعقل .  
[ ص: 126 ] والثالث : أن يكون المراد بالأعلى العالي كما أن المراد بالأكبر الكبير . 
المسألة السابعة : روي أنه عليه السلام كان يحب هذه السورة ويقول : " 
لو علم الناس علم سبح اسم ربك الأعلى لرددها أحدهم ست عشرة مرة   " وروي : " أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة  مرت بأعرابي يصلي بأصحابه فقرأ : ( سبح اسم ربك الأعلى ، الذي يسر على الحبلى ، فأخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشا ، أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ، ألا بلى ألا بلى ) فقالت 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة    : لا آب غائبكم ، ولا زالت نساؤكم في لزبة   " والله أعلم . 
أما قوله تعالى : ( 
الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى   ) فاعلم أنه سبحانه وتعالى لما أمر بالتسبيح ، فكأن سائلا قال : الاشتغال بالتسبيح إنما يكون بعد المعرفة ، فما الدليل على وجود الرب ؟ فقال : ( 
الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى   ) واعلم أن 
الاستدلال بالخلق والهداية هي الطريقة المعتمدة عند أكابر الأنبياء عليهم السلام والدليل عليه ما حكى الله تعالى عن 
إبراهيم  عليه السلام ، أنه قال : ( 
الذي خلقني فهو يهدين   ) [ الشعراء : 78 ] وحكى عن 
فرعون  أنه لما قال 
لموسى  وهارون  عليهما السلام : ( 
فمن ربكما ياموسى   ) [ طه : 49 ] ؟ قال 
موسى  عليه السلام : ( 
ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى   ) [ طه : 50 ] وأما 
محمد  عليه السلام فإنه تعالى أول ما أنزل عليه هو قوله : ( 
اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق   ) [ العلق : 2 ] هذا إشارة إلى الخلق ، ثم قال : ( 
اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم   ) [ العلق : 3 ] وهذا إشارة إلى الهداية ، ثم إنه تعالى أعاد ذكر تلك الحجة في هذه السورة ، فقال : ( 
الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى   ) وإنما وقع الاستدلال بهذه الطريقة كثيرا لما ذكرنا أن العجائب والغرائب في هذه الطريقة أكثر ، ومشاهدة الإنسان لها ، واطلاعه عليها أتم ، فلا جرم كانت أقوى في الدلالة ، ثم هاهنا مسائل :