صفحة جزء
( ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى )

أما قوله تعالى : ( ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ) فاعلم أنا بينا أن أقسام الخلق ثلاثة ؛ العارفون والمتوقفون والمعاندون ، وبينا أن القسمين الأولين لا بد وأن يكون لهما خوف وخشية ، وصاحب الخشية لا بد وأن يستمع إلى الدعوة وينتفع بها ، فيكون الأشقى هو المعاند الذي لا يستمع إلى الدعوة ولا ينتفع بها ، فلهذا قال تعالى : ( ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ) وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : ذكروا في تفسير ( النار الكبرى ) وجوها :

أحدها : قال الحسن : الكبرى نار جهنم ، والصغرى نار الدنيا .

وثانيها : أن في الآخرة نيرانا ودركات متفاضلة كما أن في الدنيا ذنوبا ومعاصي متفاضلة ، وكما أن الكافر أشقى العصاة كذلك يصلى أعظم النيران .

وثالثها : أن النار الكبرى هي النار السفلى ، وهي تصيب الكفار على ما قال تعالى : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) [ النساء : 145 ] . [ ص: 133 ]

المسألة الثانية : قالوا : نزلت هذه الآية في الوليد وعتبة وأبي ، وأنت تعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، لا سيما وقد بينا صحة هذا الترتيب بالبرهان العقلي .

المسألة الثالثة : لقائل أن يقول : إن الله تعالى ذكر ههنا قسمين :

أحدهما : الذي يذكر ويخشى .

والثاني : الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ، لكن وجود الأشقى يستدعي وجود الشقي فكيف حال هذا القسم ؟

وجوابه : أن لفظة الأشقى لا تقتضي وجود الشقي إذ قد يجري مثل هذا اللفظ من غير مشاركة ، كقوله تعالى : ( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) [ الفرقان : 24 ] وقيل : المعنى : ويتجنبها الشقي الذي يصلى كما في قوله : ( وهو أهون عليه ) [ الروم : 27 ] أي هين عليه ، ومثل قول القائل :


إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول



هذا ما قيل ، لكن التحقيق ما ذكرنا أن الفرق الثلاثة ، العارف والمتوقف والمعاند ؛ فالسعيد هو العارف ، والمتوقف له بعض الشقاء والأشقى هو المعاند الذي بينا أنه هو الذي لا يلتفت إلى الدعوة ولا يصغى إليها ويتجنبها . ( ثم لا يموت فيها ولا يحيا قد أفلح من تزكى )

التالي السابق


الخدمات العلمية