صفحة جزء
[ ص: 54 ] ( سورة الزلزلة )

وهي ثمان آيات مكية


بسم الله الرحمن الرحيم ( إذا زلزلت الأرض زلزالها )

بسم الله الرحمن الرحيم

( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) ههنا مسائل :

المسألة الأولى : ذكروا في المناسبة بين أول هذه السورة وآخر السورة المتقدمة وجوها :

أحدها : أنه تعالى لما قال : ( جزاؤهم عند ربهم ) [ البينة : 8 ] فكأن المكلف قال : ومتى يكون ذلك يا رب ؟ فقال : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) فالعالمون كلهم يكونون في الخوف ، وأنت في ذلك الوقت تنال جزاءك وتكون آمنا فيه ، كما قال : ( وهم من فزع يومئذ آمنون ) [النمل : 89 ]

وثانيها : أنه تعالى لما ذكر في السورة المتقدمة وعيد الكافر ووعد المؤمن أراد أن يزيد في وعيد الكافر ، فقال : أجازيه حين يقول الكافر السابق ذكره : ما للأرض تزلزل ، نظير قوله : ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) [ آل عمران : 106] ثم ذكر الطائفتين فقال : ( فأما الذين اسودت وجوههم ) [ آل عمران : 106] ، ( وأما الذين ابيضت وجوههم ) [ آل عمران : 107] ثم جمع بينهم في آخر السورة فذكر الذرة من الخير والشر .

المسألة الثانية : في قوله : ( إذا ) بحثان :

أحدهما : أن لقائل أن يقول : ( إذا ) للوقت فكيف وجه البداية بها في أول السورة ؟

وجوابه : من وجوه :

الأول : كانوا يسألونه متى الساعة ؟ فقال : ( إذا زلزلت الأرض ) كأنه تعالى قال : لا سبيل إلى تعيينه بحسب وقته ولكني أعينه بحسب علاماته ،

الثاني : أنه تعالى أراد أن يخبر المكلف أن الأرض تحدث وتشهد يوم القيامة مع أنها في هذه الساعة جماد فكأنه قيل : متى يكون ذلك ؟ فقال : ( إذا زلزلت الأرض ) .

البحث الثاني : قالوا : كلمة : " إن " في المجوز ، و" إذا " في المقطوع به ، تقول : إن دخلت الدار فأنت [ ص: 55 ] طالق لأن الدخول يجوز ، أما إذا أردت التعليق بما يوجد قطعا لا تقول إن بل تقول إذا ، نحو : إذا جاء غد فأنت طالق لأنه يوجد لا محالة . هذا هو الأصل ، فإن اشتمل على خلافه فمجاز ، فلما كان الزلزال مقطوعا به قال : ( إذا زلزلت ) .

المسألة الثالثة : قال الفراء : الزلزال بالكسر المصدر والزلزال بالفتح الاسم ، وقد قرئ بهما ، وكذلك الوسواس هو الاسم أي اسم الشيطان الذي يوسوس إليك ، والوسواس بالكسر المصدر ، والمعنى : حركت حركة شديدة ، كما قال : ( إذا رجت الأرض رجا ) [ الواقعة : 4 ] وقال قوم : ليس المراد من زلزلت حركت ، بل المراد : تحركت واضطربت ، والدليل عليه أنه تعالى يخبر عنها في جميع السورة كما يخبر عن المختار القادر ، ولأن هذا أدخل في التهويل كأنه تعالى يقول : إن الجماد ليضطرب لأوائل القيامة ، أما آن لك أن تضطرب وتتيقظ من غفلتك ؟ ويقرب منه : ( لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) [ الحشر : 21 ] واعلم أن " زل " للحركة المعتادة ، وزلزل للحركة الشديدة العظيمة ، لما فيه من معنى التكرير ، وهو كالصرصر في الريح ، ولأجل شدة هذه الحركة وصفها الله تعالى بالعظم فقال : ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) .

المسألة الرابعة : قال مجاهد : المراد من الزلزلة المذكورة في هذه الآية النفخة الأولى كقوله : ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ) [ النازعات : 6 ] أي تزلزل في النفخة الأولى ، ثم تزلزل ثانيا فتخرج موتاها وهي الأثقال ، وقال آخرون : هذه الزلزلة هي الثانية بدليل أنه تعالى جعل من لوازمها أنها تخرج الأرض أثقالها ، وذلك إنما يكون في الزلزلة الثانية .

المسألة الخامسة : في قوله : ( زلزالها ) بالإضافة وجوه :

أحدها : القدر اللائق بها في الحكمة ، كقولك : أكرم التقي إكرامه وأهن الفاسق إهانته ، تريد ما يستوجبانه من الإكرام والإهانة .

والثاني : أن يكون المعنى زلزالها كله وجميع ما هو ممكن منه ، والمعنى أنه وجد من الزلزلة كل ما يحتمله المحل .

والثالث : ( زلزالها ) الموعود أو المكتوب عليها إذا قدرت تقدير الحي ، تقريره ما روي أنها تزلزل من شدة صوت إسرافيل لما أنها قدرت تقدير الحي .

التالي السابق


الخدمات العلمية