صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فأما البول فهو نجس لقوله صلى الله عليه وسلم : { تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه } ) .


( الشرح ) : هذا الحديث رواه عبد بن حميد شيخ البخاري ومسلم في مسنده من رواية ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد كلهم عدول ضابطون [ ص: 567 ] بشرط الصحيحين إلا رجلا واحدا وهو أبو يحيى القتات ، فاختلفوا فيه فجرحه الأكثرون ووثقه يحيى بن معين في رواية عنه . وقد روى له مسلم في صحيحه وله متابع على حديثه وشواهد يقتضي مجموعها حسنه وجواز الاحتجاج به ، ورواه الدارقطني من رواية أنس قال فيها المحفوظ : إنه مرسل وفي المسألة أحاديث صحيحة منها حديث ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال : إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة } وروي " يستنزه من البول " وروي " يستتر " حديث صحيح رواه البخاري ومسلم بهذه الألفاظ وعن أنس رضي الله عنه : { أن أعرابيا بال في ناحية المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه } رواه البخاري ومسلم ، وعن أبي هريرة مثله رواه البخاري وقوله : تنزهوا معناه تباعدوا وتحفظوا .

أما حكم المسألة في الأبوال فهي أربعة أنواع : بول الآدمي الكبير ، وبول الصبي الذي لم يطعم ، وبول الحيوانات المأكولة ; وبول غير المأكول ، وكلها نجسة عندنا وعند جمهور العلماء ، ولكن نذكرها مفصلة لبيان مذاهب العلماء ودلائلها ، فأما بول الآدمي الكبير فنجس بإجماع المسلمين ، نقل الإجماع فيه ابن المنذر وأصحابنا وغيرهم ، ودليله الأحاديث السابقة مع الإجماع ، وأما بول الصبي الذي لم يطعم فنجس عندنا وعند العلماء كافة . وحكى العبدري وصاحب البيان عن داود أنه قال : هو طاهر ، دليلنا عموم الأحاديث والقياس على الكبير ، وثبت { أن النبي صلى الله عليه وسلم نضح ثوبه من بول الصبي وأمر بالنضح منه } ، فلو لم يكن نجسا لم ينضح ، وأما بول باقي الحيوانات التي لا يؤكل لحمها فنجس عندنا وعند مالك وأبي حنيفة وأحمد والعلماء كافة ، وحكى الشاشي وغيره عن النخعي طهارته وما أظنه يصح عنه ، وإن صح فمردود بما ذكرناه ، وحكى ابن حزم في كتابه المحلى عن داود أنه قال : الأبوال والأرواث طاهرة من كل حيوان إلا الآدمي ، وهذا في نهاية من الفساد ، وأما بول الحيوانات المأكولة وروثها فنجسان عندنا وعند أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما ، وقال عطاء والنخعي والزهري ومالك وسفيان الثوري وزفر وأحمد : بوله وروثه طاهران ، وحكاه صاحب البيان وجها لأصحابنا ، [ ص: 568 ] وحكاه الرافعي عن أبي سعيد الإصطخري واختاره الروياني ، وسبقهم باختياره إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة من أصحابنا واختاره في صحيحه واستدل له ، والمشهور من مذهبنا : الجزم بنجاستهما .

وعن الليث بن سعد ومحمد بن الحسن أن بول المأكول طاهر دون روثه ، وقال أبو حنيفة : ذرق الحمام طاهر ، واحتج لمن قال بالطهارة بحديث أنس رضي الله عنه قال : { قدم ناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يشربوا من أبوال إبل الصدقة وألبانها } رواه البخاري ومسلم وعكل وعرينة بضم العين فيهما وهما قبيلتان .

وقوله : اجتووا بالجيم أي استوخموا ، واحتج لهم بحديث يروى عن البراء مرفوعا : { ما أكل لحمه فلا بأس ببوله } وعن جابر مرفوعا مثله .

واحتج أصحابنا بقول الله تعالى : : " { ويحرم عليهم الخبائث } والعرب تستخبث هذا ، وبإطلاق الأحاديث السابقة ، وبالقياس على ما يؤكل ، وعلى دم المأكول ، والجواب عن حديث أنس أنه كان للتداوي ، وهو جائز بجميع النجاسات سوى الخمر كما سنقرره بدلائله في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى ، وعن حديثي البراء وجابر أنهما ضعيفان واهيان ذكرهما الدارقطني وضعفهما وبين ضعفهما وروي : ( ولا بأس بسؤره ) وكلاهما ضعيف والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية