صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( يجب ستر العورة للصلاة لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار } فإن انكشف شيء من العورة مع القدرة [ على الستر ] لم تصح صلاته )


( الشرح ) هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن ، ورواه الحاكم في المستدرك ، وقال : حديث صحيح على شرط مسلم والمراد بالحائض التي بلغت ، سميت حائضا ; لأنها بلغت سن الحيض ، هذا هو الصواب في العبارة عنها ، ويقع في كثير من كتب شروح الحديث وكتب الفقه [ ص: 172 ] أن المراد بالحائض التي بلغت سن المحيض ، وهذا تساهل ; لأنها قد تبلغ سن المحيض ولا تبلغ البلوغ الشرعي ثم إن التقييد بالحائض خرج على الغالب ، وهو أن التي دون البلوغ لا تصلي وإلا فلا تقبل صلاة الصبية المميزة إلا بخمار .

واعلم أن الحديث مخصوص بالحرة وإلا فالأمة تصح صلاتها مكشوفة الرأس .

( أما حكم المسألة ) فستر العورة شرط لصحة الصلاة ، فإن انكشف شيء من عورة المصلي لم تصح صلاته ، سواء أكثر المنكشف أو قل وكان أدنى جزء ، وسواء في هذا الرجل والمرأة ، وسواء المصلي في حضرة الناس والمصلي في الخلوة وسواء صلاة النفل والفرض والجنازة والطواف وسجود التلاوة والشكر . ولو صلى في سترة ثم بعد الفراغ علم أنه كان فيها خرق تبين منه العورة وجبت إعادة الصلاة على المذهب سواء كان علمه ، ثم نسيه أم لم يكن علمه ، وفيه الخلاف السابق فيمن صلى بنجاسة جهلها أو نسيها فإن احتمل حدوث الخرق بعد الفراغ من الصلاة فلا إعادة عليه بلا خلاف ، كما سبق في نظيره من النجاسة في آخر باب طهارة البدن .

( فرع ) في مذاهب العلماء في ستر العورة في الصلاة . قد ذكرنا أنه شرط عندنا ، وبه قال داود وقال أبو حنيفة إن ظهر ربع العضو صحت صلاته ، وإن زاد لم تصح ، وإن ظهر من السوأتين قدر درهم بطلت صلاته ، وإن كان أقل لم تبطل . وقال أبو يوسف إن ظهر نصف العضو صحت صلاته وإن زاد لم تصح . وقال بعض أصحاب مالك : ستر العورة واجب وليس بشرط ، فإن صلى مكشوفها صحت صلاته سواء تعمد أو سها . وقال أكثر المالكية : السترة شرط مع الذكر والقدرة عليها ، فإن عجز أو نسي الستر صحت صلاته ، وهذا هو الصحيح عندهم . وقال أحمد إن ظهر شيء يسير صحت صلاته ، سواء العورة المخففة والمغلظة ، دليلنا أنه ثبت وجوب الستر بحديث عائشة ، ولا فرق بين الرجل والمرأة بالاتفاق . وإذا ثبت الستر اقتضى جميع العورة فلا يقبل تخصيص البعض إلا بدليل ظاهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية