صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن أراد أن يصلي في ثوب فالقميص أولى ; لأنه أعم في الستر ، ولأنه يستر العورة ويحصل على الكتف فإن كان القميص واسع الفتح بحيث إذا نظر رأى العورة زره لما روى { سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال قلت : يا رسول الله إنا نصيد أفنصلي في الثوب الواحد ؟ فقال نعم ، ولتزره ولو بشوكة } فإن لم يزره وطرح على عنقه شيئا جاز ; لأن الستر يحصل به ، فإن لم يفعل ذلك لم تصح صلاته . وإن كان القميص ضيق الفتح جاز أن يصلي فيه محلول الإزار ، لما روى ابن عمر قال { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي محلول الإزار } فإن لم يكن قميص فالرداء أولى ; لأنه يمكنه أن يستر به العورة ويبقى منه ما يطرحه على الكتف ، ، فإن لم يكن فالإزار أولى من السراويل ; لأن الإزار يتجافى عنه ولا يصف الأعضاء والسراويل يصف الأعضاء ) .


( الشرح ) حديث أم سلمة حديث حسن رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بإسناد حسن ورواه الحاكم في المستدرك وقال : حديث صحيح وقوله صلى الله عليه وسلم " ولتزره " يجوز في هذه اللام الإسكان والكسر والفتح ، وهو أضعفها والراء مضمومة على الصحيح المختار وجوز ثعلب في الفصيح كسرها وفتحها أيضا ، وغلطوه فيه ، وأما حديث ابن عمر فرواه الحاكم في المستدرك وقال : حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم

( أما حكم المسألة ) فقال أصحابنا : وإذا أراد الاقتصار على ثوب واحد فالقميص أولى ، ثم الرداء ، ثم الإزار ثم السراويل ، لما ذكره المصنف فإن كان القميص واسع الفتح بحيث ترى عورته في قيامه أو ركوعه أو سجوده ، فإن زره أو وضع على عنقه شيئا يستره أو شد وسطه صحت صلاته ، فإن [ ص: 180 ] تركه على حاله لم تصح صلاته ، نص الشافعي على هذا كله ، واتفقوا عليه إلا أن البندنيجي ذكر أن نص الشافعي أن الإزار أفضل من السراويل كما قدمناه عن الشافعي والأصحاب ثم قال اختيارا لنفسه : إن السراويل أفضل ، والمذهب الأول . ولو كان الجيب بحيث ترى منه العورة في ركوعه ولا تظهر في القيام فهل تنعقد صلاته ؟ ثم إذا ركع تبطل أم لا تنعقد أصلا ؟ فيه وجهان أصحهما الانعقاد ، وفائدتهما فيما لو اقتدى به غيره قبل الركوع ، وفيما لو ألقى ثوبا على عنقه قبل الركوع ، ولو كانت لحيته أو شعر رأسه يستر جيبه ويمنع رؤية العورة صحت صلاته على أصح الوجهين ، كما لو كان على إزاره خرق فجمع عليه الثوب بيده فإنه يصح بلا خلاف فلو ستر الخرق بيده ففيه الوجهان الأصح الصحة ، وجزم صاحب الحاوي بالبطلان في مسألة اللحية ونحوها ، وجزم به أيضا في اللحية واليد القاضي أبو الطيب في باب الإحرام في تعليقه ، والأصح الصحة . وأما إذا كان الجيب ضيقا بحيث لا ترى العورة في حال من أحوال صلاته ، فتصح صلاته سواء زره أم لا . هذا تفصيل مذهبنا ، وعند أبي حنيفة ومالك تصح صلاته وإن كان الجيب واسعا ترى منه عورته ، كما لو رآها غيره من أسفل ذيله .

التالي السابق


الخدمات العلمية