صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويكره أن يسدل في الصلاة وفي غيرها . وهو أن يلقي طرفي الرداء من الجانبين ، لما روي عن علي رضي الله عنه أنه رأى قوما سدلوا في الصلاة فقال : " كأنهم اليهود خرجوا من فهورهم " . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رأى أعرابيا عليه شملة قد ذيلها وهو يصلي قال : " إن الذي يجر ثوبه من الخيلاء في الصلاة ليس من الله في حل ولا حرام " ) .


( الشرح ) يقال : سدل بالفتح يسدل ويسدل بضم الدال وكسرها قال أهل اللغة : هو أن يرسل الثوب حتى يصيب الأرض ، وكلام المصنف [ ص: 182 ] محمول على هذا ، والشملة كساء يشتمل به ، وقيل : إنما تكون شملة إذا كان لها هدب ، قال ابن دريد هي كساء يؤتزر به . وقوله : ( ذيلها ) بتشديد الياء ، معناه أرخى ذيلها وهو طرفها الذي فيه الأهداب ، وقوله ( خرجوا من فهورهم ) بضم : الفاء واحدها فهر ، بضم الفاء وإسكان الهاء . قال الهروي في الغريبين فهرهم موضع مدراسهم ، وهي كلمة نبطية عربت ، وقال الجوهري : أصله بهر وهي عبرانية عربت . وقال صاحب المحكم : فهرهم موضع مدراسهم الذي يجتمعون إليه في عيدهم ، قال : وقيل : هو يوم يأكلون فيه ويشربون قال : والنصارى يقولون فخر ، يعني بضم الفاء وبالخاء المعجمة .

وقوله ( ليس من الله في حلال ولا حرام ) قيل : معناه لا يؤمن بحلال الله تعالى وحرامه ، وقيل : معناه ليس من الله في شيء ، أي : ليس من دين الله في شيء ، ومعناه قد برئ من الله تعالى وفارق دينه ، وهذا الكلام المذكور في الكتاب عن ابن مسعود ذكره البغوي في شرح السنة بغير إسناده عن ابن مسعود ، قال وبعضهم يرويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم .

( أما حكم المسألة ) فمذهبنا أن السدل في الصلاة وفي غيرها سواء ، فإن سدل للخيلاء فهو حرام ، وإن كان لغير الخيلاء فمكروه وليس بحرام ، قال البيهقي : قال الشافعي في البويطي : لا يجوز السدل في الصلاة ولا غيرها للخيلاء ، فأما السدل لغير الخيلاء في الصلاة فهو خفيف ، { لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه وقال له : إن إزاري يسقط من أحد شقي ، فقال له : لست منهم } هذا نصه في البويطي ، وكذا رأيته أنا في البويطي ، وحديث أبي بكر رضي الله عنه هذا رواه البخاري قال البيهقي : وروينا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة " وفي حديث آخر : { لا يقبل الله صلاة رجل مسبل إزاره } قال : وحديث أبي بكر دليل على خفة الأمر فيه إذا كان لغير الخيلاء .

قال الخطابي رخص بعض العلماء في السدل في الصلاة روي ذلك عن عطاء ومكحول والزهري والحسن وابن سيرين ومالك قال : ويشبه أن يكونوا فرقوا بين إجازته في الصلاة دون غيرها ; لأن المصلي لا يمشي في [ ص: 183 ] الثوب وغيره يمشي عليه ويسبله ، وذلك المنهي عنه وكان الثوري يكره السدل في الصلاة وكرهه الشافعي في الصلاة وغيرها . وقال ابن المنذر ممن كره السدل في الصلاة ابن مسعود ومجاهد وعطاء والنخعي والثوري ورخص فيه ابن عمر وجابر ومكحول والحسن وابن سيرين والزهري وعبد الله بن الحسن قال وروينا عن النخعي أيضا أنه رخص في سدل القميص وكرهه في الإزار . وقال ابن المنذر : لا أعلم في النهي عن السدل خبرا يثبت فلا نهي عنه بغير حجة . ( قلت ) : احتج أصحابنا فيه بحديث أبي هريرة قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السدل في الصلاة " رواه أبو داود والترمذي وغيرهما . قال الترمذي : لا نعرفه مرفوعا إلا من طريق عسل بن سفيان وقد ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والبخاري وأبو حاتم وابن عدي ، والذي نعتمده في الاستدلال على النهي عن السدل في الصلاة وغيرها عموم الأحاديث الصحيحة في النهي عن إسبال الإزار وجره ، منها حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا } رواه البخاري ومسلم وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار } رواه البخاري وعنه قال : { بينما رجل يصلي مسبلا إزاره قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب فتوضأ ، فذهب فتوضأ ثم جاء ، فقال : اذهب فتوضأ ، فذهب فتوضأ ثم جاء فقال رجل : يا رسول الله ما لك أمرته أن يتوضأ ؟ ثم سكت عنه ؟ قال : إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره ، وإن الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل } رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إزرة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج ، أو قال لا جناح فيما بينه وبين الكعبين ، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار ، ومن جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه } رواه أبو داود بإسناد صحيح .

وعن ابن عمر قال : { مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء ، فقال : يا عبد الله ارفع إزارك فرفعت ، ثم قال : زد فزدت ، فما زلت أتحراها بعد ، فقال بعض القوم : إلى أين ؟ قال إلى أنصاف الساقين } رواه مسلم وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا إسبال في الإزار والقميص [ ص: 184 ] والعمامة ، من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة } رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح ، وفي المسألة أحاديث صحيحة كثيرة غير ما ذكرته قد جمعتها في كتاب ( رياض الصالحين ) وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية