صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن اجتمع جماعة عراة ومع إنسان كسوة استحب أن يعيرهم ، فإن لم يفعل لم يغصب عليه ; لأن صلاتهم تصح من غير سترة ، وإن أعار واحدا بعينه لزمه قبوله ، فإن لم يقبل وصلى عريانا بطلت صلاته ; لأنه ترك الستر مع القدرة وإن وهبه له لم يلزمه قبوله ; لأن عليه في قبوله منة [ وفي احتمال المنة مشقة فلم يلزم ] وإن أعار جماعتهم صلى فيه واحدا بعد واحد ، فإن خافوا إن صلى واحدا [ بعد واحد ] أن يفوتهم الوقت قال الشافعي رحمه الله : ينتظرون [ ص: 191 ] حتى يصلوا في الثوب . وقال في قوم في سفينة ، وليس فيها موضع يقوم إلا واحد ، أنهم يصلون من قعود ولا يؤخرون الصلاة ، فمن أصحابنا من نقل الجواب في كل واحدة من المسألتين إلى الأخرى وقال : فيهما قولان ، ومنهم من حملهما على ظاهرهما فقال في السترة ينتظرون وإن خافوا الفوت ولا ينتظرون في القيام ; لأن القيام يسقط مع القدرة في [ حال ] النافلة ، والسترة لا تسقط مع القدرة بحال . ولأن القيام يتركه إلى بدل وهو القعود والستر يتركه إلى غير بدل )


( الشرح ) يستحب لمن كان معه ثوب أن يعيره لمحتاج إليه للصلاة . ولا يلزمه الإعارة كما لا يلزمه بذل الماء للوضوء بخلاف بذله للعطشان ; إذ لا بدل للعطش وتصح الصلاة بالتيمم وعاريا . وإذا امتنع من إعارته لم يجز قهره عليه لما ذكرنا ، وإن أعار واحدا بعينه لزمه قبوله على الصحيح وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه حكاه الدارمي وصاحب العدة والبيان وغيرهم ; لأن فيه منة ، وهذا ليس بشيء . وإن وهبه له فثلاثة أوجه حكاها صاحب الحاوي والبيان وغيرهما ، الصحيح : لا يجب القبول للمنة ، وبهذا قطع الجمهور . والثاني : يجب القبول وليس له رده على الواهب بعد قبضه إلا برضى الواهب . والثالث : يجب القبول وله أن يرده بعد الصلاة فيه على الواهب ، ويلزم الواهب بعد ذلك قبوله ، وهذا الوجه حكاه أبو علي الطبري في الإفصاح والقاضي أبو الطيب وآخرون ، واتفقوا على تضعيفه .

وإذا ضممنا مسألة العارية إلى الهبة حصل فيها أربعة أوجه ( الصحيح ) وبه قطع الجمهور : يجب قبول العارية دون الهبة ( والثاني ) لا يجب القبول فيهما ( والثالث ) يجب فيهما ، ( والرابع ) يجب في الهبة دون العارية ، حكاه الدارمي في الاستذكار ، وكأن قائله نظر إلى أن العارية مضمونة بخلاف الهبة ، وهذا ليس بشيء ، وحيث وجب القبول فتركه وصلى عريانا لم تصح صلاته في حال قدرته عليه بذلك الطريق ، أما إذا أعار جماعتهم ولم يعين واحدا فإن اتسع الوقت صلى فيه واحد بعد واحد ، فإن تنازعوا في المتقدم أقرع بينهم ، وإن ضاق الوقت ففيه نصوص للشافعي وطرق للأصحاب ، وكلام مبسوط سبق بيانه واضحا في باب التيمم . ولو رجع المعير في العارية في أثناء الصلاة نزعه وبنى على صلاته ولا إعادة عليه بلا خلاف ، ذكره صاحب الحاوي وغيره والله أعلم .

[ ص: 192 ] فرع ) في مسائل تتعلق بالباب . ( إحداها ) إذا وجد سترة تباع أو تؤجر وقدر على الثمن أو الأجرة لزمه الشراء أو الاستئجار بثمن المثل وأجرته ، ذكره صاحب الحاوي وغيره ، ويجيء فيه التفريع السابق في باب التيمم ، وإذا وجب تحصيله بشراء أو إجارة فتركه وصلى لم تصح صلاته ، وإقراض الثمن كإقراض ثمن الماء ، وقد سبق بيانه في التيمم ولو احتاج إلى شراء الثوب والماء للطهارة ولم يمكنه إلا أحدهما اشترى الثوب ; لأنه لا بدل له ; ولأنه يدوم ، وقد سبقت المسألة مع نظائرها في التيمم .

( الثانية ) إذا لم يجد العاري إلا ثوبا لغيره فإن أمكن استئذان صاحبه فيه فعل وإلا حرمت الصلاة فيه وصلى عريانا ولا إعادة عليه ، وهذا وإن كان واضحا فقد صرح به صاحب الحاوي وغيره . قال صاحب الحاوي : سواء كان صاحبه حاضرا أو غائبا لا تجوز الصلاة فيه إلا بإذنه ، وإن عجز عن الإذن صلى عاريا ولا إعادة .

( الثالثة ) إذا لم يكن معه إلا ثوب طرفه نجس ولا يجد ماء يغسله به فإن كان يدخل بقطعه من النقص قدر أجرة المثل - لزمه قطعه ، وإن كان أكثر لم يلزمه وقد سبقت في طهارة البدن . وسبق فيه أيضا أن من كان محبوسا في موضع نجس ومعه ثوب لا يكفي العورة وستر النجاسة ففيه قولان ، أظهرهما يبسطه على النجاسة ويصلي عاريا ولا إعادة .

( الرابعة ) لو كان معه ثوب وأتلفه أو خرقه بعد دخول الوقت لغير حاجة عصى ويصلي عاريا . وفي وجوب الإعادة الوجهان فيمن أراق الماء سفها . وقد سبقت مسألة الإراقة وإتلاف الثوب في باب التيمم مستوفاتين .

( الخامسة ) قال الدارمي : لو قدر العريان أن يصلي في الماء ويسجد في الشط لا يلزمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية