صفحة جزء
[ ص: 75 ] باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( هي خمس اثنتان نهي عنهما لأجل الفعل ، وهي بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، والدليل عليه ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : " حدثني أناس أعجبهم إلي عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس } " وثلاث نهي عنها لأجل الوقت ، وهي عند طلوع الشمس حتى ترتفع ، وعند الاستواء حتى تزول ، وعند الاصفرار حتى تغرب والدليل عليه ما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : { ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة ، وحين تضيف الشمس للغروب } " وهل يكره التنفل لمن صلى ركعتي الفجر ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) : يكره ; لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ليبلغ الشاهد منكم الغائب أن لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين } " ( والثاني ) : لا يكره ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه إلا بعد الصبح حتى تطلع الشمس )


( الشرح ) حديث ابن عباس رواه البخاري ومسلم ولفظه عندهما عن ابن عباس : " { شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق وبعد العصر حتى تغرب } " وأما حديث عقبة بن عامر فرواه مسلم وفيه زيادة : { وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول } " وأما حديث ابن عمر فرواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وإسناده حسن إلا أن فيه رجلا مستورا ، وقد قال الترمذي إنه حديث غريب .

( وأما ألفاظ الفصل ) فقوله : لأجل الفعل سبق أن اللغة الفصيحة أن يقول : من أجل ، وقوله : وهي بعد صلاة الصبح كان ينبغي أن يقول : وهما ، وقوله : نقبر فيهن : هو بضم الباء وكسرها لغتان فصيحتان ، وقوله : قائم الظهيرة هو حال الاستواء ، وقوله : تضيف هو بفتح أوله والضاد المعجمة وتشديد الياء المثناة تحت المفتوحة وبعدها فاء ، أي تميل ، والمراد بالسجدتين [ ص: 76 ] ركعتا سنة الفجر ، وعقبة بن عامر من مشهوري الصحابة رضي الله عنهم وهو جهني في كنيته سبعة أقوال : ( أحدها ) : أبو حماد سكن مصر وتولاها لمعاوية ، وتوفي بها سنة ثمان وخمسين .

( أما حكم المسألة ) فتكره الصلاة في هذه الأوقات الخمسة التي ذكرها المصنف ، فالوقتان الأولان تتعلق كراهيتهما بالفعل ، ومعناه أنه لا يدخل وقت الكراهة لمجرد الزمان ، وإنما يدخل إذا فعل فريضة الصبح وفريضة العصر ، وأما الأوقات الثلاثة فتتعلق الكراهة فيها بمجرد الزمان هكذا قال المصنف والجمهور : إن أوقات الكراهة خمسة ، وقال جماعة : هي ثلاثة من صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس ، ومن العصر حتى تغرب ، وحال الاستواء وهو يشمل الخمسة ، والعبارة الأولى أجود ; لأن من لم يصل الصبح حتى طلعت الشمس يكره له التنفل حتى ترتفع قيد رمح ، وكذا من لم يصل العصر حتى اصفرت الشمس يكره له التنفل حتى تغرب ، وهذا يفهم من العبارة الأولى دون الثانية ولأن حال اصفرار الشمس يكره التنفل فيه على العبارة الأولى بسببين ، وعلى الثانية بسبب .

( واعلم ) أن الكراهة عند طلوع الشمس تمتد حتى ترتفع قدر رمح ، هذا هو الصحيح وبه قطع المصنف في التنبيه والجمهور ، وفيه وجه حكاه الخراسانيون أن الكراهة تزول إذا طلع قرص الشمس بكماله ، ويستدل له بحديث أبي هريرة رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب الشمس } " رواه البخاري ومسلم ، وروياه أيضا من رواية أبي سعيد الخدري ويستدل للمذهب بحديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال : { قلت يا نبي الله ، أخبرني عن الصلاة قال : صل صلاة الصبح ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني الشيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار ، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ، ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار } " رواه مسلم [ ص: 77 ] وتحمل رواية الطلوع على الطلوع مرتفعة بدليل حديث عمرو بن عبسة جمعا بين الأحاديث ، وقد أوضحت هذه الروايات والجمع بينها في شرح صحيح مسلم ولا خلاف أن وقت الكراهة بعد العصر لا يدخل بمجرد دخول العصر ، بل لا يدخل حتى يصليها ، وأما في الصبح ففيه ثلاثة أوجه ( الصحيح ) الذي عليه الجمهور أنه لا يدخل بطلوع الفجر ، بل لا يدخل حتى يصلي فريضة الصبح ( والثاني ) : يدخل بصلاة سنة الصبح ( والثالث ) : بطلوع الفجر ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر العلماء ويستدل له مع ما ذكره المصنف من حديث ابن عمر بحديث حفصة رضي الله عنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لم يصل إلا ركعتين خفيفتين } رواه البخاري ومسلم ويجاب عنه للمذهب بأن هذا ليس فيه نهي ، وحديث ابن عمر تقدم الكلام في إسناده ، فإن ثبت يؤول على موافقة غيره والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية