صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وإن أدرك معه الركعة الأخيرة كان ذلك أول صلاته ; لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : " ما أدركت فهو أول صلاتك " وعن ابن عمر أنه قال : يكبر فإذا سلم الإمام قام إلى ما بقي من صلاته ، فإن كان ذلك في صلاة فيها قنوت فقنت مع الإمام أعاد القنوت في آخر صلاته ; لأن ما فعله مع الإمام فعله للمتابعة فإذا بلغ إلى موضعه أعاده كما إذا تشهد مع الإمام ثم قام إلى ما بقي فإنه يعيد التشهد ) .


( الشرح ) مذهبنا أن ما أدركه المسبوق فهو أول صلاته ، وما يتداركه بعد سلام الإمام آخر صلاته فيعيد فيه القنوت قال الشافعي : ( فإن أدرك أول ركعتين من رباعية ثم قام للتدارك يقرأ السورة في الأخريين ) وقيل : هذا تفريع على قوله : ( تسن السورة في جميع الركعات ولا تختص بالأوليين ) أما إذا خصصنا فلا يقرأ السورة ، والأصح أنه تفريع على القولين جميعا لئلا تخلو صلاته من السورة ، وقد تقدمت هذه المسألة في صفة الصلاة ، وتقدم هناك أيضا أنه لو أدرك ركعتين من العشاء لا يسن الجهر فيما يتداركه على المذهب ; لأنه آخر صلاته ، وقيل في الجهر قولان لئلا تخلو صلاته من جهر ، وأوضحت المسألة هناك ، ولو أدرك ركعة من المغرب قام بعد سلام الإمام ويصلي ركعة ثم يتشهد ، ثم ثالثة ويتشهد .

[ ص: 118 ] فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا أن ما أدركه المسبوق أول صلاته ، وما يتداركه آخرها ، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق ، حكاه عنهم ابن المنذر قال : وبه أقول ، قال : وروي عن عمر وعلي وأبي الدرداء ولا يثبت عنهم ، وهو رواية عن مالك وبه قال داود .

وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وأحمد : ما أدركه آخر صلاته وما يتداركه أول صلاته .

وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين ، واحتج لهم بقوله صلى الله عليه وسلم " { ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا } رواه البخاري ومسلم واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم " { ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا } رواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة .

قال البيهقي : الذين رووا فأتموا أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة الذي هو راوي الحديث ، فهم أولى قال الشيخ أبو حامد والماوردي : وإتمام الشيء لا يكون إلا بعد تقدم أوله وبقية آخره ، وروى البيهقي مثل مذهبنا عن عمر بن الخطاب وعلي وأبي الدرداء وابن المسيب وحسن وعطاء وابن سيرين وأبي قلابة رضي الله عنهم .

قال أصحابنا : ولأنه لو أدرك ركعة من المغرب فقام للتدارك يصلي ركعة ثم يجلس ويتشهد ، ثم يقوم إلى الثالثة ، وهذا متفق عليه عندنا وعند الحنفية .

وممن نقل الاتفاق عليه الشيخ أبو حامد والبغوي ، وهو دليل ظاهر لنا ; لأنه لو كان الذي فاته أول صلاته لم يجلس عقب ركعة .

قال أصحابنا : فأما رواية فاقضوا فجوابها من وجهين : ( أحدهما ) : أن رواة فأتموا أكثر وأحفظ ( والثاني ) : أن القضاء محمول على الفعل لا القضاء المعروف في الاصطلاح ; لأن هذا اصطلاح متأخري الفقهاء ، والعرب تطلق القضاء بمعنى الفعل ، قال الله - تعالى - ( { فإذا قضيتم مناسككم } ) ( { فإذا قضيت الصلاة } ) قال الشيخ أبو حامد : والمراد : وما فاتكم من صلاتكم أنتم لا من صلاة الإمام والذي فات المأموم من صلاة نفسه إنما هو آخرها ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية