صفحة جزء
[ ص: 119 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وإن حضر وقد فرغ الإمام من الصلاة فإن كان المسجد له إمام راتب كره أن يستأنف فيه جماعة ; لأنه ربما اعتقد أنه قصد الكياد والإفساد ، وإن كان المسجد في سوق أو ممر الناس لم يكره أن يستأنف الجماعة ; لأنه لا يحتمل الأمر فيه على الكياد ، وإن حضر ولم يجد إلا من صلى استحب لبعض من حضر أن يصلي معه لتحصل له الجماعة ، والدليل عليه ما روى أبو سعيد الخدري أن رجلا جاء ، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { من يتصدق على هذا ؟ فقام رجل فصلى معه } ) .


( الشرح ) هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن ، وروينا في سنن البيهقي أن هذا الرجل الذي قام فصلى معه هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وقوله صلى الله عليه وسلم { من يتصدق على هذا ؟ } فيه تسمية مثل هذا صدقة ، وهو موافق لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : { كل معروف صدقة } رواه البخاري من رواية جابر ، ومسلم من رواية حذيفة ، وفيه استحباب إعادة الصلاة في جماعة لمن صلاها في جماعة وإن كانت الثانية أقل من الأولى وأنه تستحب الشفاعة إلى من يصلي مع الحاضر ، وأن المسجد المطروق لا يكره فيه جماعة بعد جماعة ، وأن الجماعة تحصل بإمام ومأموم .

( وأما حكم المسألة ) فقال أصحابنا : إن كان للمسجد إمام راتب ، وليس هو مطروقا كره لغيره إقامة الجماعة فيه ابتداء قبل فوات مجيء إمامه ، ولو صلى الإمام كره أيضا إقامة جماعة أخرى فيه بغير إذنه ، هذا هو الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور ، وحكى الرافعي وجها أنه لا يكره ، ذكره في باب الآذان ، وهو شاذ ضعيف ، وإن كان المسجد مطروقا أو غير مطروق ، وليس له إمام راتب لم تكره إقامة الجماعة الثانية فيه ; لما ذكره المصنف ، أما إذا حضر واحد بعد صلاة الجماعة فيستحب لبعض الحاضرين الذين صلوا أن يصلي معه لتحصل له الجماعة ، ويستحب أن يشفع له من له عذر في عدم الصلاة معه إلى غيره ليصلي معه للحديث ، والله أعلم .

( فرع ) في مذاهب العلماء في إقامة الجماعة في مسجد أقيمت فيه جماعة قبلها أما إذا لم يكن له إمام راتب فلا كراهة في الجماعة الثانية والثالثة [ ص: 120 ] وأكثر بالإجماع ، وأما إذا كان له إمام راتب وليس المسجد مطروقا فمذهبنا كراهة الجماعة الثانية بغير إذنه ، وبه قال عثمان البتي والأوزاعي ومالك والليث والثوري وأبو حنيفة ، وقال أحمد وإسحاق وداود وابن المنذر : لا يكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية