صفحة جزء
باب ما يكره لبسه وما لا يكره قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ويحرم على الرجل استعمال الديباج والحرير في اللبس والجلوس وغيرهما ; لما روى حذيفة قال { نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه وقال : هو لهم في الدنيا ولكم في الآخرة } ) .


( الشرح ) حديث حذيفة رواه البخاري ومسلم إلى قوله " هو لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " وإلى قوله " وأن نجلس عليه " فإنه في البخاري دون مسلم .

والديباج بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان الكسر أفصح ; وهو عجمي معرب وجمعه ديابيج ودبابيج ; وقوله " وأن نجلس عليه " بفتح النون .

( أما حكم المسألة ) فيحرم على الرجل استعمال الديباج والحرير في اللبس والجلوس عليه والاستناد إليه والتغطي به واتخاذه سترا وسائر وجوه [ ص: 321 ] استعماله ، ولا خلاف في شيء من هذا إلا وجها منكرا حكاه الرافعي أنه يجوز للرجال الجلوس عليه ، وهذا الوجه باطل وغلط صريح منابذ لهذا الحديث الصحيح ، هذا مذهبنا ، فأما اللبس فمجمع عليه ، وأما ما سواه فجوزه أبو حنيفة ووافقنا على تحريمه مالك وأحمد ومحمد وداود وغيرهم .

دليلنا حديث حذيفة ، ولأن سبب تحريم اللبس موجود في الباقي ، ولأنه إذا حرم اللبس مع الحاجة فغيره أولى ، هذا حكم الذكور البالغين ; فأما الصبي فهل يجوز للولي إلباسه الحرير ؟ فيه ثلاثة أوجه في البيان وغيره : ( أحدها ) : يحرم على الولي إلباسه وتمكينه منه ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير { حرام على ذكور أمتي } وللحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { رأى الحسن بن علي رضي الله عنهما أخذ تمرة من تمر الصدقة فقال : كخ كخ } أي ألقها ، وهو بفتح الكاف ، ويقال بإسكان الخاء وبكسرها مع التنوين ، وكما يمنعه من شرب الخمر والزنا وغيرهما .

( والثاني ) : يجوز له إلباسه الحرير ما لم يبلغ ; لأنه ليس مكلفا ولا هو في معنى الرجل في هذا بخلاف الخمر والزنا .

وأما حديث التمرة فلأنه إتلاف مال لغيره ، ولا خلاف أنه يجب على الولي منعه منه ، وأنه تجب غرامته في مال الصبي .

( والثالث ) : إن بلغ سبع سنين حرم وإلا فلا ; لأن ابن سبع له حكم البالغين في أشياء كثيرة ، هكذا ضبطوه في حكاية هذا الوجه ، ولو ضبط بسن التمييز لكان حسنا ، لكن الشرع اعتبر السبع في الأمر بالصحة ، واختلفوا في الراجح من الأوجه ، فالصحيح جوازه مطلقا ، وبه قطع صاحب الإبانة وصححه الرافعي في المحرر .

قال صاحب البيان : وهو المشهور وقطع الشيخ نصر في تهذيبه بالتحريم ، ورجحه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح وقال البغوي : يجوز للصبيان لبس الحرير ، غير أنه إذا بلغ سبع سنين ينهى عنه ، هذا لفظه ، وحمله الرافعي في الشرح على القطع منه بالوجه الثالث ، وصححه ، وليس هو صريحا في ذلك ، والأصح على الجملة : أنه ليس بحرام حتى يبلغ ، وتجري الأوجه الثلاثة في إلباسهم حلي الذهب ; وسنوضحها في باب زكاة الذهب والفضة إن شاء الله - تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية