صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى ( فإن دبغ جلد الميتة وعليه شعر ( فقد ) قال في الأم : لا يطهر لأن الدباغ لا يؤثر في تطهيره ، وروى الربيع بن سليمان الجيزي عنه أنه يطهر ; لأنه شعر نابت على جلد طاهر ، فكان كالجلد في الطهارة كشعر الحيوان في حال الحياة ) .


( الشرح ) هذان القولان مشهوران أصحهما عند الجمهور - نصه في الأم - أنه لا يطهر ، وقد تقدم عن صاحب الحاوي أنه قال : هو المشهور عن الشافعي والذي نقله عنه جمهور أصحابه ، وممن صححه من المصنفين أبو القاسم الصيمري والشيخ أبو محمد الجويني والبغوي والشاشي والرافعي وقطع به الجرجاني في التحرير ، وصحح الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني والروياني طهارته ، قال الروياني : لأن الصحابة في زمن عمر رضي الله عنهم قسموا الفرى المغنومة من الفرس ، وهي ذبائح مجوس . ومما يدل لعدم الطهارة حديث أبي المليح ( بفتح الميم ) عامر بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن جلود السباع } " رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة ، ورواه الحاكم في المستدرك وقال : حديث صحيح ، وعن المقدام بن معدي كرب أنه قال لمعاوية رضي الله عنهما : { أنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها ؟ قال : نعم } " ، رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن ، وعن معاوية أنه قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { : هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب جلود النمور ؟ قالوا : نعم } " ، رواه أبو داود . فهذه الأحاديث ونحوها احتج بها جماعة من أصحابنا على أن الشعر لا يطهر بالدباغ ; لأن النهي متناول لما بعد الدباغ ، [ ص: 295 ] وحينئذ لا يجوز أن يكون النهي عائدا إلى نفس الجلد ، فإنه طاهر بالدباغ بالدلائل السابقة ، وإنما هو عائد إلى الشعر . وأما ما احتج به الروياني من الفرى المغنومة فليس فيه أنهم استعملوها فيما لا يجوز استعمال النجس فيه من صلاة وغيرها .

( فرع ) إذا قلنا بالأصح : إن الشعر لا يطهر بالدباغ ، قال القاضي حسين والجرجاني وغيرهما : يعفى عن القليل الذي يبقى على الجلد ، ويحكم بطهارته تبعا .

( فرع ) مما ينبغي أن يتفطن له وتدعو الحاجة إلى معرفته جلود الثعالب ونحوها إذا ماتت أو أفسدت ذكاتها بإدخال السكين في آذانها ونحو ذلك ، وجلد ما لا يؤكل لحمه ، فهذه لا تصح الصلاة فيها على الأصح لعدم طهارة الشعر بالدباغ ، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح - رحمه الله - : وأما القندس فبحثنا عنه فلم يثبت أنه مأكول فينبغي أن تجتنب الصلاة فيه ، ولأصحابنا وجهان في تحريم ما أشكل من الحيوان فلم يدر أنه مأكول أم لا ، وسنذكر في فرع قريب عن صاحب الحاوي نحو هذا في الشعر - إن شاء الله - .

( فرع ) قال صاحب الحاوي : لو باع جلد الميتة بعد الدباغ قبل إماطة الشعر عنه وفرعنا على أن الجلد يصح بيعه ، وأن الشعر لا يطهر بالدباغ فله ثلاثة أحوال : ( إحداها ) : أن يقول : بعتك الجلد دون الشعر فالبيع صحيح .

( الثانية ) : أن يقول : بعتك الجلد مع شعره فبيع الشعر باطل ، وفي الجلد قولا تفريق الصفقة ، أصحهما الصحة .

( الثالثة ) : أن يبيعه مطلقا فهل هو كالحالة الثانية أم الأولى ؟ فيه وجهان .

( فرع ) ذكر المصنف " الربيع بن سليمان الجيزي " ولا ذكر له في المهذب إلا في هذا الموضع ، وله ذكر في غير المهذب في مسألة قراءة القرآن بالألحان فإنه نقلها عن الشافعي ، وقد ذكرتها في الروضة وفي تهذيب الأسماء ، [ ص: 296 ] وأما الربيع المتكرر في المهذب وكتب الأصحاب فهو الربيع بن سليمان المرادي وهو راوي الأم وغيرها من كتب الشافعي عنه ، وقد أوضحت حال الربيعين في تهذيب الأسماء واللغات ، وهذا الجيزي بكسر الجيم وبالزاي منسوب إلي جيزة مصر ، وهو الربيع بن سليمان المصري الأزدي مولاهم توفي في ذي الحجة سنة ست وخمسين ومائتين ، روى عنه أبو داود والنسائي في سننهما ، وأبو جعفر الطحاوي وآخرون من الأئمة ، وكان عمدة عند المحدثين . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية