صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( قال في الأم : وإن سكر فسد اعتكافه ثم قال : وإن ارتد ثم أسلم بنى على اعتكافه . واختلف أصحابنا فيه على ثلاثة طرق ( فمنهم ) من قال : لا يبطل فيهما ، لأنهما لم يخرجا من المسجد ، وتأول قوله في السكران على ما إذا سكر وأخرج أنه لا يجوز إقراره في المسجد إذا خرج ليقام عليه الحد ( ومنهم ) من قال : يبطل فيهما ; لأن [ ص: 547 ] السكران خرج عن أن يكون من أهل المقام في المسجد ، والمرتد خرج عن أن يكون من أهل العبادات ، وتأول قوله في المرتد على ما إذا ارتد في اعتكاف غير متتابع أنه يرجع ويتم ما بقي ( ومنهم ) من حمل المسألتين على ظاهرهما . فقال في السكران : يبطل ; لأنه ليس من أهل المقام في المسجد . لأنه لا يجوز إقراره فيه فصار كما لو خرج من المسجد ، والمرتد من أهل المقام فيه ; لأنه يجوز إقراره فيه ) .


( الشرح ) هذان النصان مشهوران كما ذكرهما المصنف والأصحاب . فيهما طرق متشعبة جمعهما الرافعي ونقحها . فقال في المسألة ستة طرق : ( أصحها ) بطلان اعتكاف السكران والمرتد جميعا بطرآن السكر والردة ; لأنهما أفحش من الخروج من المسجد وتأول هؤلاء نصه في السكران أنه في اعتكاف متتابع فينقطع ونصه في المرتد أنه اعتكاف غير متتابع فإذا أسلم بنى ; لأن الردة عندنا لا تحبط الأعمال إلا إذا مات مرتدا .

( والطريق الثاني ) لا يبطل فيهما ; لما ذكره المصنف .

( والثالث ) فيهما قولان .

( والرابع ) تقرير النصين وبطلانه في السكران دون المرتد ، وذكر المصنف الفرق وهذا الطريق هو الصحيح عند الشيخ أبي حامد وأصحابه ، ونقله صاحب الشامل عن أكثر الأصحاب .

( والخامس ) يبطل السكر لامتداد زمانه ، وكذا الردة إن طال زمنها ، وإن قصر بنى .

( والسادس ) يبطل بالردة دون السكر ; لأنه كاليوم بخلاف الردة لأنها تنافي العبادات . وهذا الطريق حكاهإمام الحرمين والغزالي . قال الرافعي : ولم يذكر غيرهما ، وممن صحح الطريق الأول وهو بطلان الاعتكاف فيهما القفال وإمام الحرمين والبغوي والمتولي وغيرهم ، ونقل الماوردي وغيره أن الشافعي أمر الربيع أن يضرب على مسألة المرتد ولا تقرأ عليه قال الماوردي : قال هذا الناقل عن الشافعي : مذهب الشافعي أنه يبطل الاعتكاف ; لأنها أفحش من السكر وأسوأ حالا . والله أعلم .

قال الرافعي : وهذا الخلاف إنما هو في أنه هل يبطل ما مضى من اعتكافه قبل الردة والسكر ؟ ويجب استئنافه إذا كان معتكفا عن نذر متتابع ؟ أم يبقى صحيحا فيبنى عليه إذا زال السكر والردة ؟ فأما زمن الردة والسكر فلا يعتد به بلا خلاف . قال : وفي وجه شاذ يعتد [ ص: 548 ] بزمان السكر . قال : وأشار إمام الحرمين والغزالي إلى أن الخلاف في الاعتبار بزمان الردة والسكر ، والصواب ما سبق ، والله أعلم . قال الماوردي ( فإن قيل ) لم قلتم : إن الردة إذا طرأت في الصيام تبطله ؟ وفي الاعتكاف خلاف ؟ ( قلنا ) لأن الاعتكاف يتخلله ما ليس منه وهو الخروج لقضاء حاجة الإنسان وغير ذلك بخلاف الصيام ، والله أعلم . .

التالي السابق


الخدمات العلمية