صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجب في العمر أكثر من حجة وعمرة بالشرع ، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما { أن الأقرع بن حابس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : آلحج كل عام ؟ قال : لا ، بل حجة } وروى سراقة بن مالك قال : { قلت : يا رسول الله أعمرتنا هذه لعامنا أم للأبد ؟ ، قال : للأبد ، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } )


( الشرح ) حديث ابن عباس رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم بأسانيد حسنة ، ورواه مسلم في صحيحه من رواية أبي هريرة قال : { خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا ، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو قلت نعم ، لوجبت . ولما استطعتم ، ثم قال : ذروني ما تركتكم إنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه } رواه مسلم ( وأما ) حديث سراقة فرواه الدارقطني بإسناد صحيح عن أبي الزبير عن جابر عن سراقة قال { : قلت يا رسول الله : عمرتنا هذه لعامنا هذا ؟ أم للأبد ؟ فقال : لا بل للأبد ، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } قال الدارقطني : رواته كلهم ثقات . وقد رواه النسائي وابن ماجه من رواية عطاء وطاوس عن سراقة وهذه رواية منقطعة ، فإنهما ولدا سنة ست وعشرين أو بعدها ، وتوفي سراقة سنة أربع وعشرين ، وقد روى البخاري ومسلم سؤال سراقة من رواية جابر ، لكن بغير هذا اللفظ ، والله أعلم .

[ ص: 13 ] وأما ) قوله صلى الله عليه وسلم { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } فقد ذكر أصحابنا وغيرهم فيه تفسيرين : ( أحدهما ) معناه دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إذ جمع بينهما بالقران : ( والثاني ) معناه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج ، وهذا هو الأصح وهو تفسير الشافعي وأكثر العلماء ، ونقله الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق ، قال الترمذي وغيره : وسببه أن الجاهلية كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج ، ويعتقدون أن ذلك من أعظم الفجور ، فأذن الشرع في ذلك وبين جوازه وقطع الجاهلية عما كانوا عليه ، { ولهذا اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم عمره الأربع في أشهر الحج ، ثلاثا منها في ذي القعدة والرابعة مع حجته حجة الوداع في ذي الحجة } . ويؤيد هذا ما ثبت عن ابن عباس قال : { والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع أمر أهل الشرك ، فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون : إذا عفا الوبر ، وبرأ الدبر ، ودخل صفر ، فقد حلت العمرة لمن اعتمر فكانوا يحرمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة والمحرم } ، هذا حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح بلفظه ورواه البخاري في صحيحه مختصرا فذكر بعضه ( وقول ) المصنف : لا يجب في العمر أكثر من حجة وعمرة بالشرع ، احترز بقوله : بالشرع عن النذر ، وعمن أراد أن يدخل مكة لحاجة لا تتكرر إذا قلنا : يلزمه الإحرام . والحجة - بكسر الحاء - أفصح من فتحها كما سبق في أول الباب والعمرة بضم العين والميم وإسكان الميم وبفتح العين وإسكان الميم - والله أعلم . أما أحكام المسألة فلا يجب على المكلف المستطيع في جميع عمره إلا حجة واحدة ، وعمرة واحدة بالشرع ، ونقل أصحابنا إجماع المسلمين على هذا ، وحكى صاحب البيان وغيره عن بعض الناس أنه يجب كل سنة ، قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : وقال بعض الناس : يجب الحج في كل سنتين مرة ، قالوا : وهذا خلاف الإجماع ، قائله محجوج بإجماع من كان قبله ، والله أعلم .

[ ص: 14 ] فرع ) ومن حج ثم ارتد ثم أسلم لم يلزمه الحج ، بل يجزئه حجته السابقة عندنا ، وقال أبو حنيفة وآخرون : يلزمه الحج ، ومبنى الخلاف على أن الردة متى تحبط العمل ؟ فعندهم تحبطه في الحال ، سواء أسلم بعدها أم لا ، فيصير كمن لم يحج ، وعندنا لا تحبطه إلا إذا اتصلت بالموت لقوله تعالى - : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر ، فأولئك حبطت أعمالهم } وقد سبقت المسألة مستوفاة بأدلتها وفروعها في أول كتاب الصلاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية