صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ويجوز ذلك فيما دون خمسة أوسق ; لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق } ) .


( الشرح ) الثابت في الصحيحين في حديث أبي هريرة فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق ، هكذا على الشك من رواية داود كما سيأتي قريبا - إن شاء الله تعالى ، وفي الترمذي فيما دون خمسة أوسق أو كذا ، وأما روايته بأحد اللفظين فقط كما ذكره المصنف فلم أره في شيء من كتب الحديث إلا في نسخة من سماعنا في مسند الشافعي ، وراجعت نسخة أصح منها فوجدته على الصواب مكملا كالروايات المشهورة ، وكذلك رواية الشافعي رحمه الله - في الأم ، ومن عادة الشافعي أن رواياته في الحديث الواحد لا تختلف ، ولو رواها في مواضع متعددة لشدة ضبطه وإتقانه وتثبته ، فتبين أن السقوط [ ص: 375 ] في تلك النسخة غلط من ناسخ ، فإن كان وقع للمصنف نسخة كذلك فهو اللائق بورعه وتحريه أنه لا يختصر الحديث .

ولا يقال : إن ذلك جائز ، فإنه ذكر بعض الحديث وليس فيه تعيين حكم ; لأن ما دون الخمسة محقق ، ومن أرخص في الخمسة فقد أرخص فيما دونها ، فالرخصة فيما دونها محققة ; لأنا نقول : إن في الاقتصار على ذلك خللا في اللفظ والمعنى ، أما اللفظ فإنه لا تتحقق مطابقته للفظ أبي هريرة فلأنه على تقدير أن تكون الرخصة في خمسة أوسق فلا يمكن نسبته إليه باللفظ ، وأما بالمعنى فلأنه يصير موهما أو مفهما - بطريق المفهوم - أنه لا يجوز في الخمسة ، وذلك قادح في الرواية بالمعنى ، والشيخ أجل عندنا من أن يستدرك على روايته ، خلاه ينسب إليه . والظاهر أن الشيخ وجده هكذا واعتقده حديثا تاما ، وكلامه بعد هذا بأسطر يشعر بذلك ، ولا أعرف رواية في ذلك اقتصر فيها على ما دون خمسة أوسق إلا ما تقدم في أول الباب عن الترمذي ، من القصة التي نقلها بغير إسناد ولا تعيين ، فإن ثبت أن ذلك حديث كامل فهو نص فيما ادعاه ، وإلا فإن الحكم المذكور ثابت بالأحاديث المشهورة المتقدمة ، فإن ما دون الخمسة داخل في الخمسة ، وإباحة الشيء إباحته لما يتضمنه ، فالإباحة فيما دون الخمسة محققة إما نصا وإما تضمنا ، والله أعلم .

والحكم المذكور لا خلاف فيه في المذهب ، كذا قال القاضي أبو الطيب والمحاملي ( فروع ) لا ضابط للنقص عن الخمسة ، بل متى كان أقل من الخمسة بشيء ما - كان جائزا ، كذلك ، نص الشافعي عليه ، وهو يدل على أن الخمسة تحديد وسنفرد له فرعا في المسألة التي بعدها .

واعلم أنا إذا أطلقنا خمسة أوسق إنما نريد خمسة أوسق من التمر ، أي قبل ما يخرص ، فنعرف أنه إذا جف كان خمسة أوسق ، ولا نريد خمسة أوسق من الرطب ، والله أعلم . وتقدم التنبيه على ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية