صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويكره أن يبول قائما من غير عذر ، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال " ما بلت قائما منذ أسلمت " ولأنه لا يأمن أن يترشش عليه ولا يكره ذلك [ ص: 99 ] لما روي { : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما لعلة بمأبضيه } " ) .


( الشرح ) أما الأثر المذكور عن عمر رضي الله عنه فذكره الترمذي في كتابه تعليقا لا مسندا ، وروى ابن ماجه والبيهقي عن عمر أنه قال : " { أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال : يا عمر ، لا تبل قائما ، فما بلت بعد قائما } " لكن إسناده ضعيف . وروي عن جابر قال : " { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل قائما } رواه ابن ماجه والبيهقي وضعفه البيهقي وغيره ، ويغني عن هذا حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " { من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه ، ما كان يبول إلا قاعدا } " رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم وإسناده جيد وهو حديث حسن . وأما الحديث الآخر { : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما } " فصحيح رواه البخاري ومسلم من رواية حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما والذي في الصحيحين " أتى سباطة قوم فبال قائما " وأما قوله : لعلة بمأبضيه فرواه البيهقي من رواية أبي هريرة لكن قال : لا تثبت هذه الزيادة ، وذكر الخطابي ثم البيهقي في سبب بوله صلى الله عليه وسلم قائما أوجها : ( أحدها ) قالا وهو المروي عن الشافعي رحمه الله : أن العرب كانت تستشفي بالبول قائما لوجع الصلب فنرى أنه كان به صلى الله عليه وسلم إذ ذاك وجع الصلب قال القاضي حسين في تعليقه . وصار هذا عادة لأهل هراة يبولون قياما في كل سنة مرة إحياء لتلك السنة .

( والثاني ) أنه لعلة بمأبضيه .

( والثالث ) أنه لم يجد مكانا يصلح للقعود ، فاحتاج إلى القيام إذا كان الطرف الذي يليه عاليا مرتفعا ، ويجوز وجه رابع أنه لبيان الجواز . وأما السباطة فبضم السين وهي ملقى التراب والكناسة ونحوها ، تكون بفناء الدور مرفقا للقوم ، قال الخطابي : ويكون ذلك في الغالب سهلا لينا [ ص: 100 ] منثالا يخد فيه البول ، ولا يرجع على البائل ، وأما المأبض . فبهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء موحدة مكسورة ثم ضاد معجمة ، ويجوز تخفيف الهمزة بقلبها ألفا كما في رأس وأشباهه ، والمأبض باطن الركبة من الآدمي وغيره ، وجمعه مآبض بالمد ، كمسجد ومساجد ، وأما بوله صلى الله عليه وسلم في سباطة القوم ، فيحتمل أوجها : ( أظهرها ) أنه علم أن أهلها يرضون ذلك ولا يكرهونه ، ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه .

( الثاني ) أنها لم تكن مختصة بهم بل كانت بفناء دورهم للناس كلهم فأضيفت إليهم لقربها منهم .

( الثالث ) أنهم أذنوا لمن أراد قضاء الحاجة فيها بصريح الإذن أو بمعناه ، والله أعلم .

( أما حكم المسألة ) فقال أصحابنا : يكره البول قائما بلا عذر كراهة تنزيه ولا يكره للعذر وهذا مذهبنا ، وقال ابن المنذر : اختلفوا في البول قائما فثبت عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد أنهما بالوا قياما ، وروي ذلك عن علي وأنس وأبي هريرة ، وفعله ابن سيرين وعروة ، وكرهه ابن مسعود والشعبي وإبراهيم بن سعد وكان إبراهيم بن سعد لا يقبل شهادة من بال قائما . قال وقال مالك : إن كان في مكان يتطاير إليه من البول شيء فمكروه ، وإن كان لا يتطاير فلا كراهة ; قال ابن المنذر : البول جالسا أحب إلي وقائما مباح وكل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية