صفحة جزء
( 2346 ) مسألة : قال : ( ولا يأكله إذا صاده الحلال لأجله ) لا خلاف في تحريم الصيد على المحرم إذا صاده أو ذبحه . وقد قال الله تعالى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } .

وإن صاده حلال وذبحه ، وكان من المحرم إعانة فيه ، أو دلالة عليه ، أو إشارة إليه ، لم يبح أيضا . وإن صيد من أجله ، لم يبح له أيضا أكله . وروي ذلك عن عثمان بن عفان . وهو قول مالك ، والشافعي .

وقال أبو حنيفة : له أكله ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة : { هل منكم أحد أمره ، أو أشار إليه بشيء ؟ قالوا : لا . قال : فكلوا ما بقي من لحمها } . متفق عليه . فدل على أن التحريم إنما يتعلق بالإشارة والأمر والإعانة ، ولأنه صيد مذكى ، لم يحصل فيه ولا في سببه صنع منه ، فلم يحرم عليه أكله ، كما لو لم يصد له . وحكي عن علي ، وابن عمر ، وعائشة ، وابن عباس ، أن لحم الصيد يحرم على المحرم بكل حال ، وبه قال طاوس . وكرهه الثوري ، وإسحاق ; لعموم

قوله : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } . وروي عن ابن عباس ، عن الصعب بن جثامة الليثي ، أنه { أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا ، وهو بالأبواء أو بودان ، فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهه ، قال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم } . متفق عليه . وفي لفظ : { أهدى الصعب بن جثامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل حمار . وفي رواية : عجز حمار . } وفي رواية : شق حمار . روى ذلك كله مسلم . وروى أبو داود ، بإسناده عن عبد الله بن الحارث ، عن أبيه قال : كان الحارث خليفة عثمان على الطائف ، فصنع له طعاما ، وصنع فيه من الحجل واليعاقيب ولحم الوحش ، فبعث إلى علي بن أبي طالب فجاءه فقال : أطعموه قوما حلالا ، فأنا حرم . ثم قال علي : أنشد الله من كان هاهنا من أشجع ، أتعلمون { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش ، فأبى أن يأكله } ؟ قالوا : نعم . ولأنه لحم صيد فحرم على المحرم ، كما لو دل عليه .

ولنا ، ما روى جابر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه ، أو يصد لكم } . رواه أبو داود ، والنسائي ، والترمذي ، وقال : هو أحسن حديث في الباب . وهذا صريح في الحكم ، ; وفيه جمع بين الأحاديث ، وبيان المختلف منها ، فإن ترك النبي صلى الله عليه وسلم للأكل مما أهدي إليه ، يحتمل أن يكون لعلمه أنه صيد من أجله أو ظنه ، ويتعين حمله على ذلك ، لما قدمت من حديث أبي قتادة ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأكل الحمار الذي صاده . وعن طلحة ، { أنه أهدي له طير ، وهو راقد ، فأكل بعض أصحابه وهم محرمون ، وتورع بعض ، فلما استيقظ طلحة وافق من أكله ، وقال : أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم } . رواه مسلم .

وفي ( الموطأ ) ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم ، حتى إذا كان بالروحاء ، إذا حمار وحش عقير ، فجاء البهزي وهو صاحبه ، فقال : يا رسول الله ، شأنكم بهذا الحمار ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق } . وهو حديث صحيح . وأحاديثهم إن لم يكن [ ص: 146 ] فيها ذكر أنه صيد من أجلهم ، فتعين ضم هذا القيد إليها لحديثنا ، وجمعا بين الأحاديث ، ودفعا للتناقض عنها ، ولأنه صيد للمحرم ، فحرم ، كما لو أمر أو أعان .

التالي السابق


الخدمات العلمية