صفحة جزء
( 2805 ) مسألة ; قال : ( وما كان مما لا يكال ولا يوزن فجائز التفاضل فيه يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة ) اختلفت الرواية في تحريم النساء في غير المكيل والموزون ، على أربع روايات ; إحداهن ، لا يحرم النساء في [ ص: 31 ] شيء من ذلك ، سواء بيع بجنسه أو بغيره ، متساويا أو متفاضلا ، إلا على قولنا : إن العلة الطعم . فيحرم النساء في المطعوم ، ولا يحرم في غيره .

وهذا مذهب الشافعي . واختار القاضي هذه الرواية ; لما روى أبو داود ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمره أن يجهز جيشا ، فنفدت الإبل ، فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة ، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة } . رواه أبو داود " وروى سعيد في سننه ، عن أبي معشر ، عن صالح بن كيسان ، عن الحسن بن محمد : أن عليا باع بعيرا له يقال له : عصيفير ، بأربعة أبعرة إلى أجل . ولأنهما مالان لا يجري فيهما ربا الفضل ، فجاز النساء فيهما كالعرض بالدينار ، ولأن النساء أحد نوعي الربا ، فلم يجز في الأنواع كلها ، كالنوع الآخر . والرواية الثانية ، يحرم النساء في كل مال بيع بجنسه ، كالحيوان بالحيوان ، والثياب بالثياب ، ولا يحرم في غير ذلك .

وهذا مذهب أبي حنيفة . وممن كره بيع الحيوان بالحيوان نساء ابن الحنفية ، وعبد الله بن عمير ، وعطاء ، وعكرمة بن خالد ، وابن سيرين ، والثوري .

وروي ذلك عن عمار ، وابن عمر ; لما روى سمرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة . } قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، ولأن الجنس أحد وصفي علة ربا الفضل ، فحرم النساء ، كالكيل والوزن . والثالثة ، لا يحرم النساء إلا فيما بيع بجنسه متفاضلا ، فأما مع التماثل فلا ; لما روى جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الحيوان اثنان بواحد لا يصلح نساء ، ولا بأس به يدا بيد } ، قال الترمذي : هذا حديث حسن . وروى ابن عمر : { أن رجلا قال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل ؟ فقال : لا بأس إذا كان يدا بيد } . من المسند .

وهذا يدل على إباحة النساء مع التماثل بمفهومه . والرابعة ، يحرم النساء في كل مال بيع بمال آخر ، سواء كان من جنسه أو من غير جنسه . وهذا ظاهر كلام الخرقي . ويحتمل أنه أراد الرواية الثالثة ; لأنه بيع عرض بعرض ، فحرم النساء بينهما كالجنسين من أموال الربا ، قال القاضي : فعلى هذا لو باع عرضا بعرض ، ومع أحدهما دراهم ، العروض نقدا والدراهم نسيئة ، جاز ، وإن كانت الدراهم نقدا والعروض نسيئة ، لم يجز ; لأنه يفضي إلى النسيئة في العروض . وهذه الرواية ضعيفة جدا ; لأنه إثبات حكم يخالف الأصل بغير نص ولا إجماع ولا قياس صحيح ، فإن في المحل المجمع عليه أو المنصوص عليه أوصافا لها أثر في تحريم الفضل ، فلا يجوز حذفها عن درجة الاعتبار ، وما هذا سبيله لا يجوز إثبات الحكم فيه ، وإن لم يخالف أصلا ، فكيف يثبت مع مخالفة الأصل في حل البيع ، وأصح الروايات هي الأولى ; لموافقتها الأصل .

والأحاديث المخالفة لها ، قال أبو عبد الله : ليس فيها حديث يعتمد عليه ، ويعجبني أن يتوقاه . وذكر له حديث ابن عباس وابن عمر في هذا ، فقال : هما مرسلان . وحديث سمرة يرويه الحسن عن سمرة ، قال الأثرم ، قال أبو عبد الله : لا يصح سماع الحسن من سمرة . وحديث جابر ، قال أبو عبد الله : هذا حجاج زاد فيه : " نساء " ، وليث بن سعد سمعه من أبي الزبير ، ولا يذكر فيه : " نساء " ، وحجاج هذا هو حجاج بن أرطاة ، قال يعقوب بن شيبة : هو واهي الحديث ، وهو صدوق .

وإن كان أحد المبيعين مما لا ربا فيه ، والآخر فيه ربا كالمكيل بالمعدود ، ففيهما روايتان ، إحداهما : يحرم النساء فيهما . والثانية : لا يحرم ، كما لو باع معدودا بمعدود من غير جنسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية