صفحة جزء
( 2955 ) مسألة ; قال : ( ومن اشترى ما يحتاج إلى قبضه ، لم يجز بيعه حتى يقبضه ) قد ذكرنا الذي لا يحتاج إلى قبض ، والخلاف فيه . وكل ما يحتاج إلى قبض إذا اشتراه لم يجز بيعه حتى يقبضه ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : من ابتاع طعاما ، فلا يبعه حتى يستوفيه } . متفق عليه . ولأنه من ضمان بائعه ، فلم يجز بيعه ، كالسلم ، ولم أعلم بين أهل العلم خلافا ، إلا ما حكي عن البتي ، أنه قال : لا بأس ببيع كل شيء قبل قبضه . وقال ابن عبد البر : وهذا قول مردود بالسنة والحجة المجمعة على الطعام ، وأظنه لم يبلغه هذا الحديث ، ومثل هذا لا يلتفت إليه .

وأما غير ذلك ، فيجوز بيعه قبل قبضه في أظهر الروايتين ، ويروى مثل هذا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وسعيد بن المسيب ، والحكم ، وحماد ، والأوزاعي ، وإسحاق . وعن أحمد رواية أخرى ، لا يجوز بيع شيء قبل قبضه . اختارها ابن عقيل . وروي ذلك عن ابن عباس .

وهذا قول أبي حنيفة ، والشافعي ، إلا أن أبا حنيفة أجاز بيع العقار قبل قبضه ، واحتجوا بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه ، وبما روى أبو داود ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم . } وروى ابن ماجه { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء الصدقات حتى تقبض . } وروي { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث عتاب بن أسيد إلى مكة ، قال : انههم عن بيع ما لم يقبضوه ، وعن ربح ما لم يضمنوه } . ولأنه لم يتم الملك عليه ، فلم يجز بيعه ، كغير المتعين ، أو كالمكيل ، والموزون .

ولنا ، ما روى ابن عمر ، قال { : كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم ، فنأخذ بدل الدراهم الدنانير ، ونبيعها بالدنانير ، فنأخذ بدلها الدراهم ، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : لا بأس ، إذا تفرقتما وليس بينكما شيء } . وهذا تصرف في الثمن قبل قبضه ، وهو أحد العوضين .

وروى ابن عمر { أنه كان على بكر صعب - يعنى لعمر - فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : بعنيه . فقال : هو لك يا رسول الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هو لك يا عبد الله بن عمر ، فاصنع به ما شئت } . وهذا ظاهره التصرف في المبيع بالهبة قبل قبضه . واشترى من جابر جمله ، ونقده ثمنه ، ثم وهبه إياه قبل قبضه . ولأنه أحد نوعي المعقود عليه ، فجاز التصرف فيه قبل قبضه . كالمنافع في الإجارة ، فإنه يجوز له إجارة العين المستأجرة قبل قبض المنافع .

ولأنه مبيع لا يتعلق به حق توفية ، فصح بيعه ، كالمال في يد مودعه ، أو مضاربه . فأما أحاديثهم ، فقد قيل : لم يصح منها إلا حديث الطعام ، وهو حجة لنا بمفهومه ، فإن تخصيصه الطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه ، يدل على إباحة ذلك فيما سواه . وقولهم : لم يتم الملك عليه ، ممنوع ، فإن السبب المقتضي للملك متحقق ، وأكثر ما فيه تخلف القبض ، واليد ليست شرطا في صحة البيع ، بدليل جواز بيع المال المودع ، والموروث ، والتصرف في الصداق ، وعوض الخلع عند أبي حنيفة .

( 2956 ) فصل : وما لا يجوز بيعه قبل قبضه ، لا يجوز بيعه لبائعه ; لعموم الخبر فيه . قال القاضي : ولو ابتاع شيئا مما يحتاج إلى قبض ، فلقيه ببلد آخر ، لم يكن له مطالبته ، ولا أخذ بدله ، وإن تراضيا ; لأنه مبيع لم [ ص: 92 ] يقبض . فإن كان مما لا يحتاج إلى قبض ، جاز أخذ البدل عنه . وإن كان في سلم لم يجز أخذ البدل عنه ; لأنه أيضا لا يجوز بيعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية