صفحة جزء
( 2968 ) مسألة ; قال : ( ومن اشترى صبرة طعام ، لم يبعها حتى ينقلها ) [ ص: 97 ] هذه المسألة تدل على حكمين ; أحدهما ; إباحة بيع الصبرة جزافا مع جهل البائع والمشتري بقدرها ، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي . ولا نعلم فيه خلافا . وقد نص عليه أحمد .

ودل عليه قول ابن عمر : { كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه } . متفق عليه ، ولأنه معلوم بالرؤية ، فصح بيعه ، كالثياب والحيوان . ولا يضر عدم مشاهدة باطن الصبرة ، فإن ذلك يشق ; لكون الحب بعضه على بعض ، ولا يمكن بسطها حبة حبة ، ولأن الحب تتساوى أجزاؤه في الظاهر ، فاكتفي برؤية ظاهره ، بخلاف الثوب ، فإن نشره لا يشق ، ولم تختلف أجزاؤه ، ولا يحتاج إلى معرفة قدرها مع المشاهدة ; لأنه علم ما اشترى بأبلغ الطرق ، وهو الرؤية .

وكذلك لو قال : بعتك نصف هذه الصبرة ، أو ثلثها ، أو جزءا منها معلوما . جاز ; لأن ما جاز بيع جملته ، جاز بيع بعضه ، كالحيوان . ولأن جملتها معلومة بالمشاهدة ، فكذلك جزؤها . قال ابن عقيل : ولا يصح هذا إلا أن تكون الصبرة متساوية الأجزاء ، فإن كانت مختلفة ، مثل صبرة بقال القرية ، لم يصح .

ويحتمل أن يصح ; لأنه يشتري منها جزءا مشاعا ، فيستحق من جيدها ورديئها بقسطه . ولا فرق بين الأثمان والمثمنات في صحة بيعها جزافا . وقال مالك : لا يجوز في الأثمان لأن لها خطرا ولا يشق وزنها ولا عددها ، فأشبه الرقيق والثياب .

ولنا ، أنه معلوم بالمشاهدة ، فأشبه المثمنات والنقرة والحلي . ويبطل بذلك ما قاله . أما الرقيق ، فإنه يجوز بيعهم إذا شاهدهم ولم يعدهم ، وكذلك الثياب إذا نشرها ورأى جميع أجزائها . الحكم الثاني ، أنه إذا اشترى الصبرة جزافا ، لم يجز له بيعها حتى ينقلها . نص عليه أحمد في رواية الأثرم ، وعنه رواية أخرى ، له بيعها قبل نقلها . اختارها القاضي . وهو مذهب مالك ; لأنه مبيع متعين لا يحتاج إلى حق توفية ، فأشبه الثوب الحاضر .

ولنا ، قول ابن عمر { : إن كنا لنشتري الطعام من الركبان جزافا ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه . } وعموم قوله عليه السلام { : من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه } مع ما ذكرنا من الأخبار ، وروى الأثرم بإسناده عن عبيد بن حنين ، قال { : قدم زيت من الشام ، فاشتريت منه أبعرة ، وفرغت من شرائها ، فقام إلي رجل فأربحني فيها ربحا ، فبسطت يدي لأبايعه ، فإذا رجل يأخذني من خلفي ، فنظرت فإذا زيد بن ثابت ، فقال : لا تبعه حتى تنقله إلى رحلك ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك } .

فإذا تقرر هذا فإن قبضها نقلها . كما جاء في الخبر ، ولأن القبض لو لم يعين في الشرع لوجب رده إلى العرف ، كما قلنا في الإحياء والإحراز ، والعادة في قبض الصبرة النقل ( 2969 ) فصل : ولا يحل لبائع الصبرة أن يغشها ; بأن يجعلها على دكة ، أو ربوة ، أو حجر ينقصها ، أو يجعل الرديء في باطنها أو المبلول ، ونحو ذلك ; لما روى أبو هريرة ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة من طعام ، فأدخل يده ، فنالت أصابعه بللا . فقال : يا صاحب الطعام ، ما هذا ؟ قال : أصابته السماء يا رسول الله . قال : أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ؟ ثم قال : من غشنا فليس منا } . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . فإذا وجد ذلك ، ولم يكن المشتري علم به ، فله الخيار بين الفسخ ، وأخذ تفاوت ما بينهما ; لأنه عيب .

وإن بان تحتها حفرة أو بان باطنها خيرا من ظاهرها ، فلا خيار للمشتري ; لأنه زيادة له . وإن علم [ ص: 98 ] البائع ذلك ، فلا خيار له ; لأنه دخل على بصيرة به . وإن لم يكن علم ، فله الفسخ ، كما لو باع بعشرين درهما فوزنها بصنجة ثم وجد الصنجة زائدة ، كان له الرجوع . وكذلك لو باع بمكيال ، ثم وجده زائدا . ويحتمل أنه لا خيار له ; لأن الظاهر أنه باع ما يعلم ، فلا يثبت له الفسخ بالاحتمال .

التالي السابق


الخدمات العلمية