صفحة جزء
[ ص: 127 ] مسألة قال ومن باع سلعة بنسيئة ، لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها به وجملة ذلك أن من باع سلعة بثمن مؤجل ، ثم اشتراها بأقل منه نقدا لم يجز في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن ابن عباس ، وعائشة ، والحسن ، وابن سيرين ، والشعبي ، والنخعي وبه قال أبو الزناد ، وربيعة وعبد العزيز بن أبي سلمة ، والثوري والأوزاعي ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي . وأجازه الشافعي لأنه ثمن يجوز بيعها به من غير بائعها فجاز من بائعها ، كما لو باعها بمثل ثمنها .

ولنا ، ما روى غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل أنها قالت : دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم وامرأته على عائشة رضي الله عنها ، فقالت أم ولد زيد بن أرقم : إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ، ثم اشتريته منه بستمائة درهم فقالت لها : بئس ما شريت ، وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم : أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب . رواه الإمام أحمد ، وسعيد بن منصور .

والظاهر أنها لا تقول مثل هذا التغليظ وتقدم عليه ، إلا بتوقيف سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرى مجرى روايتها ذلك عنه ، ولأن ذلك ذريعة إلى الربا ، فإنه يدخل السلعة ، ليستبيح بيع ألف بخمسمائة إلى أجل معلوم . وكذلك روي عن ابن عباس في مثل هذه المسألة أنه قال : أرى مائة بخمسين بينهما حريرة . يعني خرقة حرير جعلاها في بيعهما .

والذرائع معتبرة لما قدمناه فأما بيعها بمثل الثمن أو أكثر ، فيجوز لأنه لا يكون ذريعة . وهذا إذا كانت السلعة لم تنقص عن حالة البيع ، فإن نقصت ، مثل إن هزل العبد ، أو نسي صناعة ، أو تخرق الثوب ، أو بلي جاز له شراؤها بما شاء لأن نقص الثمن لنقص المبيع لا للتوسل إلى الربا . وإن نقص سعرها ، أو زاد لذلك أو لمعنى حدث فيها ، لم يجز بيعها بأقل من ثمنها ، كما لو كانت بحالها . نص أحمد على هذا كله . ( 3042 ) فصل وإن اشتراها بعرض ، أو كان بيعها الأول بعرض ، فاشتراها بنقد جاز وبه قال أبو حنيفة . ولا نعلم فيه خلافا ; لأن التحريم إنما كان لشبهة الربا ، ولا ربا بين الأثمان والعروض . فأما إن باعها بنقد ثم اشتراها بنقد آخر مثل أن يبيعها بمائتي درهم ، ثم اشتراها بعشرة دنانير ، فقال أصحابنا : يجوز ; لأنهما جنسان لا يحرم التفاضل بينهما . فجاز ، كما لو اشتراها بعرض ، أو بمثل الثمن وقال أبو حنيفة : لا يجوز استحسانا لأنهما كالشيء الواحد في معنى الثمنية ، ولأن ذلك يتخذ وسيلة إلى الربا ، فأشبه ما لو باعها بجنس الثمن الأول . وهذا أصح . إن شاء الله تعالى . ( 3043 )

فصل وهذه المسألة تسمى مسألة العينة . قال الشاعر

أندان أم نعتان أم ينبري لنا فتى مثل نصل السيف ميزت مضاربه

فقوله : نعتان . أي نشتري عينة مثلما وصفنا . وقد روى أبو داود ، بإسناده عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم } . وهذا وعيد يدل على التحريم .

وقد روي عن أحمد أنه قال العينة أن [ ص: 128 ] يكون عند الرجل المتاع ، فلا يبيعه إلا بنسيئة ، فإن باعه بنقد ونسيئة فلا بأس . وقال : أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة لا يبيع بنقد . وقال ابن عقيل إنما كره النسيئة لمضارعتها الربا ، فإن الغالب أن البائع بنسيئة يقصد الزيادة بالأجل .

ويجوز أن تكون العينة اسما لهذه المسألة وللبيع بنسيئة جميعا ، لكن البيع بنسيئة ليس بمحرم اتفاقا ، ولا يكره إلا أن لا يكون له تجارة غيره . .

التالي السابق


الخدمات العلمية