صفحة جزء
( 3064 ) مسألة قال وإذا باع شيئا واختلفا في ثمنه ، تحالفا ، فإن شاء المشتري أخذه بعد ذلك بما قال البائع وإلا انفسخ البيع بينهما ، والمبتدئ باليمين البائع . والكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة . ( 3065 ) الفصل الأول أنه إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة فقال البائع : بعتك بعشرين وقال المشتري : بل بعشرة ولأحدهما بينة ، حكم بها . وإن لم يكن لهما بينة تحالفا . وبهذا قال شريح وأبو حنيفة والشافعي ومالك في رواية . وعنه القول قول المشتري مع يمينه . وبه قال أبو ثور وزفر لأن البائع يدعي عشرة زائدة ، ينكرها المشتري ، والقول قول المنكر .

وقال الشعبي القول قول البائع ، أو يترادان البيع . وحكاه ابن المنذر عن إمامنا ، رحمه الله ، وروى ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { إذا اختلف البيعان ، وليس بينهما بينة فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع } رواه سعيد وابن ماجه وغيرهما ، والمشهور في المذهب الأول .

ويحتمل أن يكون معنى القولين واحدا ، وأن القول قول البائع مع يمينه فإذا حلف فرضي المشتري بذلك أخذ [ ص: 137 ] به وإن أبى حلف أيضا وفسخ البيع بينهما ، لأن في بعض ألفاظ حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما ، تحالفا ولأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه ، فإن البائع يدعي عقدا بعشرين ، ينكره المشتري والمشتري يدعي عقدا بعشرة ينكره البائع ، والعقد بعشرة غير العقد بعشرين فشرعت اليمين في حقهما ، وهذا الجواب عما ذكروه . ( 3066 )

الفصل الثاني أن المبتدئ باليمين البائع ، فيحلف ما بعته بعشرة ، وإنما بعته بعشرين . فإن شاء المشتري أخذه بما قال البائع ، وإلا يحلف ما اشتريته بعشرين وإنما اشتريته بعشرة . وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يبتدئ بيمين المشتري لأنه منكر واليمين في جنبته أقوى ولأنه يقضى بنكوله وينفصل الحكم ، وما كان أقرب إلى فصل الخصومة كان أولى ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم { فالقول ما قال البائع } وفي لفظ { فالقول ما قال البائع والمشتري بالخيار } رواه الإمام أحمد ومعناه : إن شاء أخذ ، وإن شاء حلف ولأن البائع أقوى جنبة لأنهما إذا تحالفا عاد المبيع إليه ، فكان أقوى ، كصاحب اليد ، وقد بينا أن كل واحد منهما منكر ، فيتساويان من هذا الوجه . والبائع إذا نكل فهو بمنزلة نكول المشتري ، يحلف الآخر ، ويقضى له ، فهما سواء . ( 3067 )

الفصل الثالث أنه إذا حلف البائع فنكل المشتري عن اليمين ، قضي عليه . وإن نكل البائع ، حلف المشتري ، وقضي له . وإن حلفا جميعا ، لم ينفسخ البيع بنفس التحالف لأنه عقد صحيح ، فتنازعهما ، وتعارضهما لا يفسخه كما لو أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه ، لكن إن رضي أحدهما بما قال صاحبه أقر العقد بينهما ، وإن لم يرضيا ، فلكل واحد منهما الفسخ . هذا ظاهر كلام أحمد ، ويحتمل أن يقف الفسخ على الحاكم . وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن العقد صحيح وأحدهما ظالم ، وإنما يفسخه الحاكم لتعذر إمضائه في الحكم ، فأشبه نكاح المرأة إذا زوجها الوليان ، وجهل السابق منهما .

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم { أو يترادان البيع } وظاهره استقلالهما بذلك ، وفي القصة ، أن ابن مسعود رضي الله عنه باع الأشعث بن قيس رقيقا من رقيق الإمارة ، فقال عبد الله بعتك بعشرين ألفا . قال الأشعث اشتريت منك بعشرة آلاف فقال عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة ، والمبيع قائم بعينه ، فالقول قول البائع أو يترادان البيع } قال : فإني أرد البيع رواه سعيد عن هشيم عن ابن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابن مسعود ، وروى أيضا حديثا عن عبد الملك بن عبيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ثم كان المشتري بالخيار ، إن شاء أخذ ، وإن شاء ترك } وهذا ظاهر في أنه يفسخ من غير حاكم لأنه جعل الخيار إليه ، فأشبه من له خيار الشرط أو الرد بالعيب ولأنه فسخ لاستدراك الظلامة ، فأشبه الرد بالعيب ولا يشبه النكاح ; لأن لكل واحد من الزوجين الاستقلال بالطلاق وإذا فسخ العقد ، فقال القاضي : ظاهر كلام أحمد أن الفسخ ينفذ ظاهرا وباطنا ; لأنه فسخ لاستدراك الظلامة ، فهو كالرد بالعيب أو فسخ عقد بالتحالف فوقع في الظاهر والباطن ، كالفسخ باللعان ، وقال أبو الخطاب إن كان البائع ظالما لم ينفسخ العقد في الباطن لأنه كان يمكنه إمضاء العقد ، واستيفاء حقه ، فلا ينفسخ العقد في الباطن ولا يباح له التصرف في [ ص: 138 ] المبيع ; لأنه غاصب ، فإن كان المشتري ظالما ، انفسخ البيع ظاهرا وباطنا ; لعجز البائع عن استيفاء حقه ، فكان له الفسخ ، كما لو أفلس المشتري .

ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين ولهم وجه ثالث أنه لا ينفسخ في الباطن بحال . وهذا فاسد ; لأنه لو علم أنه لم ينفسخ في الباطن بحال ، لما أمكن فسخه في الظاهر فإنه لا يباح لكل واحد منهما التصرف فيما رجع إليه بالفسخ ومتى علم أن ذلك محرم منع منه . ولأن الشارع جعل للمظلوم منهما الفسخ ظاهرا وباطنا ، فانفسخ بفسخه في الباطن ، كالرد بالعيب ويقوى عندي أنه إن فسخه الصادق منهما ، انفسخ ظاهرا وباطنا ; لذلك .

وإن فسخه الكاذب عالما بكذبه ، لم ينفسخ بالنسبة إليه ; لأنه لا يحل له الفسخ ، فلم يثبت حكمه بالنسبة إليه ويثبت بالنسبة إلى صاحبه فيباح له التصرف فيما رجع إليه ; لأنه رجع إليه بحكم الشرع من غير عدوان منه ، فأشبه ما لو رد عليه المبيع بدعوى العيب ، ولا عيب فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية