صفحة جزء
[ ص: 156 ] مسألة ; قال : ( ويبطل البيع إذا كان فيه شرطان ، ولا يبطله شرط واحد ) ثبت عن أحمد رحمه الله ، أنه قال : الشرط الواحد لا بأس به ، إنما نهي عن الشرطين في البيع ، ذهب أحمد إلى ما روى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا تبع ما ليس عندك } أخرجه أبو داود ، والترمذي وقال : حديث حسن صحيح قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : إن هؤلاء يكرهون الشرط في البيع . فنفض يده ، وقال : الشرط الواحد لا بأس به في البيع ، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرطين في البيع . وحديث جابر يدل على إباحة الشرط حين باعه جمله ، وشرط ظهره إلى المدينة . واختلف في تفسير الشرطين المنهي عنهما ، فروي عن أحمد ; أنهما شرطان صحيحان ، ليسا من مصلحة العقد .

فحكى ابن المنذر عنه ، وعن إسحاق في من اشترى ثوبا ، واشترط على البائع خياطته وقصارته ، أو طعاما ، واشترط طحنه وحمله : إن اشترط أحد هذه الأشياء فالبيع جائز ، وإن اشترط شرطين ، فالبيع باطل . وكذلك فسر القاضي في " شرحه " الشرطين المبطلين بنحو من هذا التفسير . وروى الأثرم عن أحمد تفسير الشرطين ; أن يشتريها على أنه لا يبيعها من أحد ، وأنه لا يطؤها . ففسره بشرطين فاسدين . وروى عنه إسماعيل بن سعيد في الشرطين في البيع ، أن يقول : إذا بعتكها فأنا أحق بها بالثمن ، وأن تخدمني سنة . وظاهر كلام أحمد أن الشرطين المنهي عنهما ما كان من هذا النحو .

فأما إن شرط شرطين ، أو أكثر ، من مقتضى العقد ، أو مصلحته ، مثل أن يبيعه بشرط الخيار ، والتأجيل ، والرهن ، والضمين ، أو بشرط أن يسلم إليه المبيع أو الثمن . فهذا لا يؤثر في العقد وإن كثر . وقال القاضي في " المجرد " : ظاهر كلام أحمد أنه متى شرط في العقد شرطين ، بطل ، سواء كانا صحيحين ، أو فاسدين ، لمصلحة العقد ، أو لغير مصلحته . أخذا من ظاهر الحديث ، وعملا بعمومه . ولم يفرق الشافعي وأصحاب الرأي بين الشرطين ، ورووا { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط } .

ولأن الصحيح لا يؤثر في البيع وإن كثر ، والفاسد يؤثر فيه وإن اتحد . والحديث الذي رويناه يدل على الفرق . ولأن الغرر اليسير إذا احتمل في العقد ، لا يلزم منه احتمال الكثير . وحديثهم لم يصح وليس له أصل ، وقد أنكره أحمد ، ولا نعرفه مرويا في مسند ، ولا يعول عليه . وقول القاضي : إن النهي يبقي على عمومه في كل شرطين . بعيد أيضا ; فإن شرط ما يقتضيه العقد لا يؤثر فيه بغير خلاف ، وشرط ما هو من مصلحة العقد ، كالأجل ، والخيار ، والرهن ، والضمين ، وشرط صفة في المبيع ، كالكتابة ، والصناعة ، فيه مصلحة العقد ، فلا ينبغي أن يؤثر أيضا في بطلانه ، قلت أو كثرت . ولم يذكر أحمد في هذه المسألة شيئا من هذا القسم ، فالظاهر أنه غير مراد له .

التالي السابق


الخدمات العلمية