صفحة جزء
( 3533 ) مسألة : قال : ( وإذا تداعى نفسان جدارا معقودا ببناء كل واحد منهما ، تحالفا ، وكان بينهما . وكذلك إن كان محلولا من بنائهما . وإن كان معقودا ببناء أحدهما ، كان له مع يمينه ) .

وجملة ذلك أن الرجلين إذا تداعيا حائطا بين ملكيهما ، وتساويا في كونه معقودا ببنائهما معا ، وهو أن يكون متصلا بهما اتصالا لا يمكن إحداثه بعد بناء الحائط ، مثل اتصال البناء بالطين ، كهذه الفطائر التي لا يمكن إحداث اتصال بعضها ببعض ، أو تساويا في كونه محلولا من بنائهما ، أي غير متصل ببنائهما الاتصال المذكور ، بل بينهما شق مستطيل ، كما يكون بين الحائطين اللذين ألصق أحدهما بالآخر .

فهما سواء في الدعوى ، فإن لم يكن لواحد منهما بينة تحالفا ، فيحلف كل واحد منهما على نصف الحائط ، أنه له ، ويجعل بينهما نصفين ; لأن كل واحد منهما يده على نصف الحائط ; لكون الحائط في أيديهما . وإن حلف كل واحد منهما على جميع الحائط ، أنه له ، وما هو لصاحبه ، جاز ، وهو بينهما . وبهذا قال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو ثور ، وابن المنذر . ولا أعلم فيه مخالفا ; وذلك لأن المختلفين في العين ، إذا لم يكن لواحد منهما بينة ، فالقول قول من هي في يده مع يمينه .

فإذا كانت في أيديهما ، كانت يد كل واحد منهما على نصفها ، فيكون القول قوله في نصفها مع يمينه . وإن كان لأحدهما بينة ، حكم له بها ، وإن كان لكل واحد منهما بينة ، تعارضتا ، وصارا كمن لا بينة لهما . فإن لم يكن لهما بينة ، ونكلا عن اليمين ، كان الحائط في أيديهما على ما كان . وإن حلف أحدهما ، ونكل الآخر ، قضي على الناكل ، فكان الكل للآخر .

وإن كان الحائط متصلا ببناء أحدهما دون الآخر ، فهو له مع يمينه . وبهذا قال أبو حنيفة ، والشافعي . وقال أبو ثور : لا يرجح بالعقد ، ولا ينظر إليه .

ولنا ، أن الظاهر أن هذا البناء بني كله بناء واحدا ، فإذا كان بعضه لرجل ، كان بقيته له ، والبناء الآخر المحلول ، الظاهر أنه بني وحده ، فإنه لو بني مع هذا ، كان متصلا به ، فالظاهر أنه لغير صاحب هذا الحائط المختلف فيه ، فوجب أن يرجح بهذا ، كاليد والأزج . فإن قيل : فلم لم تجعلوه له بغير يمين لذلك ؟ قلنا : لأن ذلك ظاهر ، وليس بيقين ، إذ يحتمل أن يكون أحدهما بنى الحائط لصاحبه تبرعا مع حائطه ، أو كان له فوهبه إياه ، أو بناه بأجرة ، فشرعت اليمين من أجل الاحتمال ، كما شرعت في حق صاحب اليد وسائر من وجبت عليه اليمين .

فأما إن كان معقودا ببناء أحدهما عقدا يمكن إحداثه ، مثل البناء باللبن والآجر ، فإنه يمكن أن ينزع من الحائط المبني نصف لبنة أو آجرة ، أو يجعل مكانها لبنة صحيحة أو آجرة صحيحة تعقد بين الحائطين ، فقال القاضي : لا يرجح بهذا ; لاحتمال أن يكون صاحب الحائط فعل هذا ليتملك الحائط المشترك .

وظاهر كلام الخرقي أنه يرجح بهذا الاتصال ، كما يرجح بالاتصال الذي لا يمكن إحداثه ; لأن الظاهر أن صاحب الحائط لا يدع غيره يتصرف فيه ، بنزع آجره ، وتغيير بنائه ، وفعل ما يدل على ملكه ، فوجب أن يرجح بهذا ، كما يرجح باليد ، فإنه يمكن أن تكون يدا عادية ، حدثت بالغصب أو بالسرقة أو العارية أو الإجارة ، فلم يمنع ذلك الترجيح بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية