صفحة جزء
( 3785 ) مسألة ; قال : ( ومن وكل في شراء شيء فاشترى غيره ، كان الآمر مخيرا في قبول الشراء ، فإن لم يقبل ، لزم الوكيل ، إلا أن يكون اشتراه بعين المال ، فيبطل الشراء ) وجملته أن الوكيل في الشراء إذا خالف موكله ، فاشترى غير ما وكل في شرائه ، مثل أن يوكله في شراء عبد فيشتري جارية ، لم يخل من أن يكون اشتراه في ذمته أو بعين المال ، فإن كان اشتراه في ذمته ، ثم نقد ثمنه ، [ ص: 75 ] فالشراء صحيح ; لأنه إنما اشترى بثمن في ذمته ، وليس ذلك ملكا لغيره .

وقال أصحاب الشافعي : لا يصح ، في أحد الوجهين ; لأنه عقده على أنه للموكل ، ولم يأذن فيه ، فلم يصح ، كما لو اشترى بعين ماله . ولنا ، أنه لم يتصرف في ملك غيره ، فصح كما لو لم ينوه لغيره . إذا ثبت هذا ، فعن أحمد روايتان ; إحداهما ، الشراء لازم للمشتري . وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي ; لأنه اشترى في ذمته بغير إذن غيره ، فكان الشراء له ، كما لو لم ينو غيره .

والرواية الثانية ، يقف على إجازة الموكل ، فإن أجازه لزمه ; لأنه اشترى له وقد أجازه ، فلزمه ، كما لو اشترى بإذنه ، وإن لم يجزه لزم الوكيل ; لأنه لا يجوز أن يلزم الموكل ، لأنه لم يأذن في شرائه ، ولزم الوكيل ; لأن الشراء صدر منه ، ولم يثبت لغيره ، فيثبت في حقه ، كما لو اشتراه لنفسه وهكذا الحكم في كل من اشترى شيئا في ذمته لغيره بغير إذنه ، سواء كان وكيلا للذي قصد الشراء له ، أو لم يكن وكيلا له .

فأما إن اشترى بعين المال ، مثل أن يقول : بعني الجارية بهذه الدنانير . أو باع مال غيره بغير إذنه ، فالصحيح في المذهب أن البيع باطل . وهو مذهب الشافعي . وفيه رواية أخرى أنه صحيح ، ويقف على إجازة المالك ، فإن لم يجزه بطل ، وإن أجازه صح ; لحديث عروة بن الجعد ، { أنه باع ما لم يؤذن له في بيعه ، فأقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له ، } ولأنه تصرف له بخير ، فصح ، ووقف على الإجازة ، كالوصية بالزائد على الثلث .

ووجه الرواية الأولى ، أنه عقد على مال من لم يأذن له في العقد ، فلم يصح ، كما لو باع مال الصبي المراهق ، ثم بلغ ، فأجازه ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام : { لا تبع ما ليس عندك } . يعني ما لم تملك . وأما حديث عروة فإنه يحتمل أنه كان وكيلا مطلقا ، بدليل أنه باع وسلم المبيع وأخذ ثمنه ، وليس ذلك جائزا لمن لم يؤذن له فيه اتفاقا . ومتى حكمنا ببطلان البيع ، فاعترف له العاقد معه ببطلان البيع ، أو ثبت ذلك ببينة ، فعليه رد ما أخذه ، وإن لم يعترف بذلك ، ولا قامت به بينة ، حلف العاقد ، ولم يلزمه رد شيء ; لأن الأصل أن تصرف الإنسان لنفسه ، فلا يصدق على غيره فيما يبطل عقده .

وإن ادعى البائع أنه باع مال غيره بغير إذنه ، فالقول قول المشتري ; لما ذكرناه . ولو قال المشتري : إنك بعت مال غيرك بغير إذنه ، فأنكر البائع ذلك . وقال : بل بعت ملكي . أو قال : بعت مال موكلي بإذنه . فالقول قوله أيضا . وإن اتفق البائع والمشتري على ما يبطل البيع ، وقال الموكل : بل البيع صحيح فالقول قوله مع يمينه ، ولا يلزمه رد ما أخذه من العوض .

التالي السابق


الخدمات العلمية