صفحة جزء
( 4166 ) فصل : الحكم الخامس ، أن المؤجر يملك الأجرة بمجرد العقد ، إذا أطلق ولم يشترط المستأجر أجلا ، كما يملك البائع الثمن بالبيع . وبهذا قال الشافعي . وقال مالك ، وأبو حنيفة : لا يملكها بالعقد ، فلا يستحق المطالبة بها إلا يوما بيوم ، إلا أن يشترط تعجيلها . قال أبو حنيفة : إلا أن تكون معينة ، كالثوب والعبد والدار ; لأن الله تعالى قال : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن }

فأمر بإيتائهن بعد الإرضاع ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم { : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره } . فتوعد على الامتناع من دفع الأجر بعد العمل . فدل على أنها حالة الوجوب . وروي عنه عليه السلام أنه قال { : أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه } . رواه ابن ماجه ، ولأنه عوض لم يملك معوضه ، فلم يجب تسليمه ، كالعوض في العقد الفاسد ، فإن المنافع معدومة لم تملك ، ولو ملكت فلم يتسلمها ، لأنه يتسلمها شيئا فشيئا

فلا يجب عليه العوض مع تعذر التسليم في العقد . ولنا أنه عوض أطلق ذكره في عقد معاوضة ، فيستحق بمطلق العقد ، كالثمن والصداق . أو نقول [ ص: 257 ] عوض في عقد يتعجل بالشرط ، فوجب أن يتعجل بمطلق العقد ، كالذي ذكرنا . فأما الآية فيحتمل أنه أراد الإيتاء عند الشروع في الإرضاع ، أو تسليم نفسها ، كما قال تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } . أي إذا أردت القراءة . ولأن هذا تمسك بدليل الخطاب ، ولا يقولون به ، وكذلك الحديث ، يحققه أن الأمر بالإيتاء في وقت لا يمنع وجوبه قبله ، كقوله : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن }

والصداق يجب قبل الاستمتاع ، وهذا هو الجواب عن الحديث ، ويدل عليه أنه إنما توعد على ترك الإيفاء بعد الفراغ من العمل ، وقد قلتم : تجب الأجرة شيئا فشيئا . ويحتمل أنه توعده على ترك الإيفاء في الوقت الذي تتوجه المطالبة فيه عادة . جواب آخر ، أن الآية والأخبار إنما وردت في من استؤجر على عمل ، فأما ما وقعت الإجارة فيه على مدة ، فلا تعرض لها به ، وأما إذا كانت الإجارة على عمل ، فإن الأجر يملك بالعقد أيضا ، لكن لا يستحق تسليمه إلا عند تسليم العمل . قال ابن أبي موسى : من استؤجر لعمل معلوم ، استحق الأجر عند إيفاء العمل ، وإن استؤجر في كل يوم بأجر معلوم ، فله أجر كل يوم عند تمامه . وقال أبو الخطاب : الأجر يملك بالعقد ، ويستحق بالتسليم ، ويستقر بمضي المدة ، وإنما توقف استحقاق تسليمه على العمل ; لأنه عوض ، فلا يستحق تسليمه إلا مع تسليم المعوض ، كالصداق والثمن في المبيع ، وفارق الإجارة على الأعيان ; لأن تسليمها جرى مجرى تسليم نفعها ، ومتى كان على منفعة في الذمة ، لم يحصل تسليم المنفعة ، ولا ما يقوم مقامها ، فتوقف استحقاق تسليم الأجر على تسليم العمل

وقولهم : لم يملك المنافع . قد سبق الجواب عنه . فإن قيل : فإن المؤجر إذا قبض الأجر ، انتفع به كله ، بخلاف المستأجر ، فإنه لا يحصل له استيفاء المنفعة كلها . قلنا : لا يمتنع هذا ، كما لو شرطا التعجيل ، أو كان الثمن عينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية