صفحة جزء
( 4562 ) فصل : فأما إن وجد مع اللقيط شيء ، فهو له ، وينفق عليه منه . وبهذا قال الشافعي ، وأصحاب الرأي ; وذلك لأن الطفل يملك ، وله يد صحيحة ، بدليل أنه يرث ويورث ، ويصح أن يشتري له وليه ويبيع ، ومن له ملك صحيح فله يد صحيحة ، كالبالغ . إذا ثبت هذا ، فكل ما كان متصلا به ، أو متعلقا بمنفعته ، فهو تحت يده ، ويثبت بذلك ملكا له في الظاهر ، فمن ذلك ما كان لابسا له ، أو مشدودا في ملبوسه ، أو في يديه ، أو مجعولا فيه ، كالسرير والسفط ، وما فيه من فرش أو دراهم ، والثياب التي تحته والتي عليه

وإن كان مشدودا على دابة ، أو كانت مشدودة في ثيابه ، أو كان في خيمة ، أو في دار ، فهي له . وأما المنفصل عنه ، فإن كان بعيدا منه ، فليس في يده ، وإن كان قريبا منه ، كثوب موضوع إلى جانبه ، ففيه وجهان أحدهما ، ليس هو له ; لأنه منفصل عنه ، فهو كالبعيد . والثاني ، هو له . وهو أصح ; لأن الظاهر أنه ترك له ، فهو له ، بمنزلة ما هو تحته ، ولأن القريب من البالغ يكون في يده ، ألا ترى أن الرجل يقعد في السوق ومتاعه بقربه ، ويحكم بأنه في يده ، والحمال إذا جلس للاستراحة ، ترك حمله قريبا منه

فأما المدفون تحته ، فقال ابن عقيل : إن كان الحفر طريا ، فهو له ، وإلا فلا ; لأن الظاهر أنه إذا كان طريا فواضع اللقيط حفره ، وإذا لم يكن طريا ، كان مدفونا قبل وضعه ، وقيل : ليس هو له بحال ; لأنه بموضع لا يستحقه إذا لم يكن الحفر طريا ، فلم يكن له إذا كان الحفر طريا ، كالبعيد منه ، ولأن الظاهر أنه لو كان له ، لشده واضعه في ثيابه ، ليعلم به ، ولم يتركه في مكان لا يطلع عليه ، وكل ما حكمنا بأنه ليس له فحكمه حكم اللقطة ، وما هو له أنفق عليه منه ، فإن كان فيه كفايته ، لم تجب نفقته على أحد ; لأنه ذو مال ، فأشبه غيره من الناس

إذا ثبت هذا ، فإن لملتقطه الإنفاق عليه منه بغير إذن الحاكم . ذكره أبو عبد الله بن حامد ; لأنه ولي له ، فلم يعتبر في الإنفاق عليه في حقه إذن الحاكم ، كوصي اليتيم ، ولأن هذا من الأمر بالمعروف ، فاستوى فيه الإمام وغيره ، كتبديد الخمر . وروى أبو الحارث ، عن أحمد ، في رجل أودع رجلا مالا ، وغاب ، وطالت غيبته ، وله ولد ولا نفقة له ، هل ينفق عليهم هذا المستودع من مال الغائب ؟ فقال : تقوم امرأته إلى الحاكم ، حتى يأمره بالإنفاق عليهم

فلم يجعل له الإنفاق عليهم من غير إذن الحاكم . فقال بعض أصحابنا : هذا مثله . والصحيح أن هذا مخالف له من وجهين ; أحدهما ، أن الملتقط له ولاية على اللقيط ، وعلى ماله ; فإن له ولاية أخذه وحفظه . والثاني ، أنه ينفق على اللقيط من ماله ، وهذا بخلافه ، ولأن الإنفاق على الصبي من مال أبيه مشروط بكون الصبي محتاجا إلى ذلك ، لعدم ماله ، وعدم نفقة تركها [ ص: 39 ] أبوه برسمه ، وذلك لا يقبل فيه قول المودع ، فاحتيج إلى إثبات ذلك عند الحاكم .

ولا كذلك في مسألتنا ، فلا يلزم من وجوب استئذان الحاكم ثم وجوبه في اللقيط . ومتى لم يجد حاكما ، فله الإنفاق بكل حال ; لأنه حال ضرورة . وقال الشافعي : ليس له أن ينفق بغير إذن الحاكم في موضع يجد حاكما ، وإن أنفق ضمن ، بمنزلة ما لو كان لأبي الصغير ودائع عند إنسان ، فأنفق عليه منه ; وذلك لأنه لا ولاية له على ماله ، وإنما له حق الحضانة . وإن لم يجد حاكما ، ففي جواز الإنفاق وجهان ; ولنا ما ذكرناه ابتداء ، ولا نسلم أنه لا ولاية له على مال .

فإنا قد بينا أن له أخذه وحفظه ، وهو أولى الناس به ، وذكرنا الفرق بين اللقيط وبين ما قاسوا عليه . فإذا ثبت هذا ، فالمستحب أن يستأذن الحاكم في موضع يجد حاكما ; لأنه أبعد من التهمة ، وأقطع للظنة ، وفيه خروج به من الخلاف ، وحفظ لماله من أن يرجع عليه بما أنفق . فإذا ثبت هذا ، فينبغي أن ينفق عليه بالمعروف كما ذكرنا في ولي اليتيم ، فإذا بلغ اللقيط ، واختلفا في قدر ما أنفق ، وفي التفريط في الإنفاق ، فالقول قول المنفق ; لأنه أمين ، فكان القول قوله في ذلك ، كولي اليتيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية