صفحة جزء
( 500 ) مسألة : قال : ( ومن كانت لها أيام فزادت على ما كانت تعرف ، لم تلتفت إلى الزيادة ، إلا أن تراه ثلاث مرات ، فتعلم حينئذ أن حيضها قد انتقل ، فتصير إليه فتترك الأول . وإن كانت صامت في هذه الثلاث مرارا أعادته ، إذا كان صوما واجبا ، وإذا رأت الدم قبل أيامها التي كانت تعرف ، فلا تلتفت إليه ، حتى يعاودها ثلاث مرات )

[ ص: 212 ] وجملة ذلك أن المرأة إذا كانت لها عادة مستقرة في الحيض ، فرأت الدم في غير عادتها ، لم تعتد بما خرج من العادة حيضا ، حتى يتكرر ثلاثا ، في إحدى الروايتين ، أو مرتين في الأخرى . نقل حنبل عن أحمد في امرأة لها أيام معلومة ، فتقدمت الحيضة قبل أيامها ، لم تلتفت إليها ، تصوم وتصلي ، فإن عاودها في الثانية ، مثل ذلك ، فإنه دم حيض منتقل . ونقل الفضل بن زياد : لا تنتقل إليه إلا في الثالثة ، فلتمسك عن الصلاة والصوم .

وفي لفظ له قال : سألت أبا عبد الله عن المرأة أيام أقرائها معلومة ، فربما زاد في الأشهر الكثيرة على أيام أقرائها ، أتمسك عن الصلاة أو تصلي ؟ قال : بل تصلي ، ولا تلتفت إلى ما زاد على أقرائها ، إلا أن يكون دم حيض تنتقل إليه أو نحو هذا . قلت : أفتصلي إلى أن يصيبها ثلاث مرارا ، ثم تدع الصلاة بعد ثلاث ؟ قال : نعم ، بعد ثلاث . ففي هذه الرواية تصريح بأنها لا تعد الزيادة من حيضها إلا في المرة الرابعة ، وأنها تصلي وتصوم في المرات الثلاث .

وفي روايته الأولى يحتمل أنها تحتسبه من حيضها في المرة الثالثة ; لقوله : لا تنتقل إليه إلا في الثالثة ، ويحتمل أنه أراد بعد الثالثة ، وفي رواية حنبل احتمالان أحدهما ، أنها تنتقل إليه في المرة الثانية ، وتحتسبه من حيضها . والثاني ، أنها لا تنتقل إليه إلا في الثالثة . وأكثر الروايات عنه اعتبار التكرار ثلاثا فيما خرج عن العادة سواء رأت الدم قبل عادتها ، أو بعدها مع بقاء العادة ، أو انقطاع الدم فيها ، أو في بعضها ، فإنها لا تجلس في غير أيامها حتى تتكرر مرتين أو ثلاثا ، فإذا تكرر علمنا أنه حيض منتقل ، فتصير إليه ، أي تترك الصلاة والصوم فيه ، وتصير عادة لها ، وتترك الأول ، أي العادة الأولى ; لأنها قد انتقلت عنها ، وصارت العادة أكثر منها أو غيرها .

ثم يجب عليها قضاء ما صامته من الفرض في هذه المرات الثلاث التي أمرناها بالصيام فيها ; لأننا تبينا أنها صامته في حيض ، والصوم في الحيض غير صحيح ، وأما الصلاة فليس عليها قضاؤها ; لأن الحائض لا تقضي الصلاة . قال أبو عبد الله : ولا يعجبني أن يأتيها زوجها في الأيام التي تصلي فيها ; لأننا لا نأمن كونها حيضا ، وإنما تصلي وتصوم احتياطا للعبادة ، وترك الوطء احتياطا أيضا ، فيجب كما تجب الصلاة .

وإن تجاوزت الزيادة أكثر الحيض ، فهي استحاضة ، ولا تجلس غير أيام العادة بكل حال . ومثال ذلك امرأة عادتها ثلاثة أيام في أول كل شهر ، فرأت خمسة في أول الشهر ، أو رأت يومين من آخر الشهر الذي قبله ، والثلاثة المعتادة ، أو طهرت الثلاثة ، ورأت ثلاثة بعده أو أكثر منها ، أو أقل ، قبلها أو بعدها ، أو طهرت اليوم الأول ورأت ثلاثة بعده أو أكثر منها ، أو طهرت يومين ورأت يومين بعدهما أو أكثر منها أو رأت الدم يومين في آخر الشهر ويوما في أوله ، وما أشبه ذلك ، فإنها لا تجلس في جميع هذه الصور ، ما عدا الأول من الشهر حتى تتكرر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : اجلسي قدر ما كانت تحبسك حيضتك } . ولأن لها عادة ، فردت إليها ، كالمستحاضة .

وقال أبو حنيفة : ما رأته قبل العادة ليس بحيض ، حتى يتكرر مرتين ، وما تراه بعدها فهو حيض . وقال الشافعي : جميعه حيض ، ما لم تتجاوز أكثر الحيض . وهذا أقوى عندي ; لأن عائشة رضي الله عنها كانت تبعث إليها النساء بالدرجة فيها الصفرة والكدرة ، فتقول : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء .

ومعناه لا تعجلن بالغسل حتى ينقطع الدم ، وتذهب الصفرة والكدرة ، ولا يبقى شيء يخرج من المحل ، بحيث إذا دخلت فيه قطنة خرجت بيضاء . ولو لم تعد الزيادة حيضا للزمها الغسل عند انقضاء العادة ، وإن كان الدم جاريا ; ولأن الشارع [ ص: 213 ] علق على الحيض أحكاما ، ولم يحده ، فعلم أنه رد الناس فيه إلى عرفهم ، والعرف بين النساء أن المرأة متى رأت دما يصلح أن يكون حيضا ، اعتقدته حيضا ، ولو كان عرفهن اعتبار العادة على الوجه المذكور لنقل ، ولم يجز التواطؤ على كتمانه ، مع دعاء الحاجة إليه ، ولذلك لما كان بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معه في الخميلة ، فجاءها الدم ، فانسلت من الخميلة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " ما لك ؟ أنفست ؟ " قالت : نعم .

فأمرها أن تأتزر . ولم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم : هل وافق العادة أو جاء قبلها ؟ ولا هي ذكرت ذلك ، ولا سألت عنه ، وإنما استدلت على الحيضة بخروج الدم ، فأقرها عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك حين حاضت عائشة في عمرتها في حجة الوداع ، إنما علمت الحيضة برؤية الدم لا غير ، ولم تذكر عادة ، ولا ذكرها لها النبي صلى الله عليه وسلم والظاهر أنه لم يأت في العادة ; لأن عائشة استكرهته ، واشتد عليها ، وبكت حين رأته ، وقالت : وددت أني لم أكن حججت العام .

ولو كانت تعلم لها عادة تعلم مجيئه فيها وقد جاء فيها ، ما أنكرته ، ولا صعب عليها ، ولو كانت العادة معتبرة ، على الوجه المذكور في المذهب ، لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، ولما وسعه تأخير بيانه ، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقته ، وأزواجه وغيرهن من النساء يحتجن إلى بيان ذلك في كل وقت ، فلم يكن ليغفل بيانه ، وما جاء عنه عليه السلام ذكر العادة ، ولا بيانها ، إلا في حق المستحاضة لا غير ، وأما امرأة طاهر ترى الدم في وقت يمكن أن يكون حيضا ثم ينقطع عنها ، فلم يذكر في حقها عادة أصلا ، ولأننا لو اعتبرنا التكرار فيما خرج عن العادة أدى إلى خلو نساء عن الحيض بالكلية ، مع رؤيتهن الدم في زمن الحيض ، وصلاحية أن يكون حيضا ; بيانه أن المرأة إذا رأت الدم في غير أيام عادتها ، وطهرت أيام عادتها ، لم تمسك عن الصلاة ثلاثة أشهر ، فإذا انتقلت في الشهر الرابع إلى أيام أخر لم نحيضها أيضا ثلاثة أشهر ، وكذلك أبدا ، فيفضي إلى إخلائها من الحيض بالكلية .

ولا سبيل إلى هذا ، فعلى هذا القول تجلس ما تراه من الدم قبل عادتها وبعدها ، ما لم يزد على أكثر الحيض ، فإن زاد على أكثره علمنا أنه استحاضة ، فرددناها إلى عادتها ، ويلزمها قضاء ما تركته من الصلاة والصيام فيما زاد على عادتها ، لأننا تبينا أنه ليس بحيض ، وإنما هو استحاضة .

التالي السابق


الخدمات العلمية