صفحة جزء
( 4947 ) فصل : فأما الكفار فيتوارثون ، إذا كان دينهم واحدا ، لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافا ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يرث المسلم الكافر } دليل على أن بعضهم يرث بعضا . وقوله : { لا يتوارث أهل ملتين شتى } . دليل على [ ص: 247 ] أن أهل الملة الواحدة يرث بعضهم بعضا . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { وهل ترك لنا عقيل من دار } . دليل على أن عقيلا ورث أبا طالب دون جعفر ، وعلي لأنهما كانا مسلمين ، وكان عقيل على دين أبيه ، مقيما بمكة ، فباع رباعه بمكة ، فلذلك لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : أين تنزل غدا ؟ قال : { وهل ترك لنا عقيل من رباع } . وقال عمر في عمة الأشعث بن قيس : يرثها أهل دينها . فإن اختلفت أديانهم ، فاختلف عن أحمد ، فروي عنه ، أن الكفر كله ملة واحدة ، يرث بعضهم بعضا . رواه عنه حرب ، واختاره الخلال . وبه قال حماد ، وابن شبرمة ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وداود ; لأن توريث الآباء من الأبناء ، والأبناء من الآباء ، مذكور في كتاب الله تعالى ذكرا عاما ، فلا يترك إلا فيما استثناه الشرع ، وما لم يستثنه الشرع يبقى على العموم ، ولأن قول الله تعالى : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } عام في جميعهم . وروي عن أحمد ، أن الكفر ملل مختلفة ، لا يرث بعضهم بعضا . اختاره أبو بكر ، وهو قول كثير من أهل العلم ; لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يتوارث أهل ملتين شتى } . ينفي توارثهما ، ويخص عموم الكتاب ، ولم نسمع عن أحمد تصريحا بذكر أقسام الملل . وقال القاضي أبو يعلى : الكفر ثلاث ملل : اليهودية ، والنصرانية ، ودين من عداهم ; لأن من عداهم يجمعهم أنهم لا كتاب لهم . وهذا قول شريح ، وعطاء ، وعمر بن عبد العزيز ، والضحاك ، والحكم . والثوري ، والليث ، وشريك ، ومغيرة الضبي ، وابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح ، ووكيع . وروي ذلك عن مالك . وروي عن النخعي ، والثوري ، القولان معا . ويحتمل كلام أحمد رضي الله عنه أن يكون الكفر مللا كثيرة ، فتكون المجوسية ملة ، وعبادة الأوثان ملة أخرى ، وعبادة الشمس ملة ، فلا يرث بعضهم بعضا . روي ذلك عن علي . وبه قال الزهري ، وربيعة وطائفة من أهل المدينة ، وأهل البصرة ، وإسحاق وهو أصح الأقوال إن شاء الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يتوارث أهل ملتين شتى } . ولأن كل فريقين منهم لا موالاة بينهم ، ولا اتفاق في دين فلم يرث بعضهم بعضا ، كالمسلمين والكفار ، والعمومات في التوريث مخصوصة ، فيخص منها محل النزاع بالخبر والقياس ، ولأن مخالفينا قطعوا التوارث بين أهل الحرب وأهل دار الإسلام ، مع اتفاقهم في الملة ، لانقطاع الموالاة ، فمع اختلاف الملة أولى . وقول من حصر الملة بعدم الكتاب غير صحيح ، فإن هذا وصف عدمي ، لا يقتضي حكما ، ولا جمعا ، ثم لا بد لهذا الضابط من دليل يدل على اعتباره ، ثم قد افترق حكمهم ، فإن المجوس يقرون بالجزية ، وغيرهم لا يقر بها ، وهم مختلفون في معبوداتهم ، ومعتقداتهم ، وآرائهم ، يستحل بعضهم دماء بعض ، ويكفر بعضهم بعضا ، فكانوا مللا كاليهود والنصارى . وقد روي ذلك عن علي رضي الله عنه فإن إسماعيل بن أبي خالد ، روى عن الشعبي ، عن علي عليه السلام أنه جعل الكفر مللا مختلفة . ولم يعرف له مخالف في الصحابة ، فيكون إجماعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية